الشباب ثم الشباب ثم الشباب

◄ الاستثمار في الشباب هو شعار رائع، ويتم ترديده في المحافل الإعلامية، لكن الأهم من ذلك كيفية تحويله من شعار مطاطي إلى تطبيقات عملية من خلال برامج حكومية ممنهجة

خلفان الطوقي

يتكرر دومًا هذا الشعار: أفضل الاستثمارات تكون في الموارد البشرية، لأنَّ الموارد البشرية المدربة والمؤهلة تأهيلا علميا ومهنيا عاليا هي من تستطيع أن تطور البلد وتحافظ عليه، وتنقله نقلات نوعية بشكل مستمر، وعكس ذلك تكون النتيجة معروفة ومتوقعة، ففاقد الشيء لا يُعطيه، وهذه القاعدة ثابتة في كل زمان ومكان، والشواهد التاريخية أكبر دليل على ذلك. وعلى الحكماء الاستشهاد واستحضار التاريخ في مثل هذه المواقف.

وبما أنَّ الحديث في هذه المقالة يركز في الاستثمار في الموارد البشرية، فإنَّ التركيز الأهم والجوهري يجب أن ينصب في الموارد البشرية الشابة، بدأ من أيام الدراسة في مراحلها الابتدائية وانتهاء بمرحلة الدبلوم العام والجامعة وفترة البحث عن الفرص التدريبية والوظيفية والسنوات الأولى من الوظيفة، ولابد من الاستفادة من طاقاتهم المهولة، وتوظيفها بالشكل الصحيح.    

وكما تقول القاعدة: حسب المدخلات تكون النتائج، فإن كانت المدخلات علمية وممنهجة وفق رؤية حكومية واضحة في الاهتمام والرعاية واستيعاب واحتضان الشباب، فإن النتائج سوف تكون إيجاببة ولصالح الوطن وبما يخدم توجهات البلاد الاجتماعية والأمنية والاقتصادية والتنموية، وعكس ذلك إن كانت المدخلات الحكومية مشتتة وهاملة وهزيلة، فإن النتائج سوف تكون بذلك المستوى الهزيل، وبذلك تكون عبئا ثقيلا وأرقا مستمرا  للدولة من كل النواحي، وعلينا ألا نتوقع غير ذلك. 

الاستثمار في الشباب هو شعار رائع، ويتم ترديده في المحافل الإعلامية، لكن الأهم من ذلك كيفية تحويله من شعار مطاطي إلى تطبيقات عملية من خلال برامج حكومية ممنهجة تلامس كل فئات الشباب، برامج تلامس حديثي التخرج، وبرامج الباحثين عن فرص العمل، وبرامج الملتحقين حديثا إلى العمل في قطاعي العام والخاص، وبرامج لأصحاب الأعمال الخاصة، وبرامج تطال حتى الجالسين في البيوت دائمي الشكوى والحسرة، وغيرهم من الفئات، فجميعهم جزء من هذا النسيج الشاب والمكون المجتمعي، ولابد من تصميم برامج تلامسهم وتستوعبهم.

إن رعاية واستيعاب والاستثمار في فئة الشباب ليست مسؤولية جهة دون أخرى؛ بل هي مسؤولية حكومية بشكل جماعي، ولا بُد من تجويد وتوحيد الجهود، والعمل بشكل تكاملي وممنهج ليرى الأثر، ويمكن تشكيل فريق عمل مشترك يضم كفاءات من وزارة الثقافة والرياضة والشباب، ووزارة التربية والتعليم ووزارة التعليم العالي والبحث العلمي والابتكار، ووزارة العمل، ووزارة النقل والاتصالات وتقنية المعلومات، والأكاديمية السلطانية للإدارة، وأعضاء من لجنة الشباب من مجلسي الشورى والدولة وشخصيات مستقلة، وغيرهم من الجهات ذات العلاقة، لتكون مهمتهم الجوهرية اقتراح وتصميم البرامج التأهيلية التي تلامس كل فئات الشباب، التي تجعله إنسانًا إيجابيًا حيويًا سويًّا ومنتجًا داخل عُمان وخارجها، ويستطيع الاعتماد على نفسه من خلال الأدوات الممنوحة له، والبرامج التي تغذى بها.

بذلك سوف تتمكن الحكومة من تحويل الأعداد الكبيرة من الشباب من كونها "عبء"- إذا جاز التعبير- إلى استثمار حقيقي، ومن تحدٍ كبير إلى دعائم بشرية تنقل سلطنتنا إلى مراتب أقوى وأفضل؛ وليكون ذلك شعارًا وطنيًا حقيقيًا وعمليًا في كل جهة، وفي كل قرار أو  سياسات حكومية: الشباب ثم الشباب ثم الشباب، فهُم الاستثمار الأجدى والأبقى.