خارج الصندوق

 

فاطمة الحارثية

هل صحيح الابتكار يتجلى خارج الصندوق أم خارج الصناديق؟ إن كان صحيحا فكيف للشخص أن يعلم أنه خارج المألوف وما سوف يقدمه أمر مُبتكر؟، هل نستطيع تعريف الصندوق؟ الكثير من الأسئلة التي قد راودتنا في أحيانٍ كثيرة، خاصة عندما تكون الأمور عند مفترق طريق أو أمام عقبة أو نعيش حيرة نشعر أننا لا نستطيع أن نخرج منها؛ عني قد قمت بصناعة مفاتيح خاصة ساعدتني في الخروج عن المألوف، والتجلي خارج الصندوق بأبعاد وآفاق تبعد كثيرا عن مسار الصناديق، ومن مفاتيحي: القراءة، تحري الأمور، الاستماع الجيد، المقارنة، المحاكاة، الخيال والكثير من أدوات التجلي، فماذا عنك؟ هل وجدت طريقتك الخاصة في التجلي خارج الصندوق؟

القراءة تصنع مذاقا مختلفا للأمور، ولا أعني هنا القراءة التخصصية، بل القراءة الفكرية والفلسفية، التي تصنع للمتلقي حبكة، وتثير لديه لذة الدهشة والسؤال، والبحث ومتعة التحليل والاستكشاف، قراءة تصنع لك مجالا يتجلى عند عثورك على السُبل، التي تؤدي بك خارج الصندوق، واستيعاب فضاء الإبداع خارج المألوف، ولا أتحدث هنا عن إعادة قراءة تجارب الآخرين، لأنه ليس صحيحًا أن محتوى جميع الكتب عبارة عن تجارب دونها أصحابها، في الحقيقة الكثير من الكتب هي في الأصل رغبات مثالية، لم يستطع أغلب من دونها تطبيقها في الواقع، فلجأ للكتابة ليعيش أحلامه التي خذلته ظروف الحياة في عيشها، وهذا يدل أيضاً على أن منظومة القراءة ليست يسيرة كما يعتقدها البعض، لأنه ليس من اليسير توفير الوقت، واختزال المعلومات، ونسجها في تشابك منظم لصناعة معنى جديد، ومن التحديات أيضا القدرة على الخروج عن قواعد القراءة التي تم تلقيننا إياها، على مقاعد الدراسة، كما وأن للكتب قيود بين الرقابة والتكلفة والأسواق، وبالرغم من وجود مصادر لها عبر البوابات والصفحات الإلكترونية، تبقى لغة الكاتب حكما لإيصال الفائدة.

الأخطاء الجسيمة تحصل، والضرر الذي تصنعه أمر حتمي، لكن متى يمكننا القول إنه خطأ غير متعمد، في الحقيقة يصعب صناعة هذا الاعتقاد لمن قام بوقفة حقيقية، وبحث وناقش جميع الاحتمالات القريبة والبعيدة قبل اتخاذ القرار، والإقبال على الفعل الذي أصبح "خطأً جسيما"، أعتقد أنه يُصبح جسيما فقط عندما نهمل هبة التفكير لدينا، نعم للأخطاء ولكن العادية والمتوقعة ضمن سلسلة السيناريوهات والاحتمالات، التي تثبت الاشتغال الحقيقي والأمانة الفعلية للأداء؛ وما يحدث من قصور غير متوقع يُقال عنه "حادث"، أي أن ظروفا جديدة تشكلت وغيرت بصورة جذرية العمل، قد يختلف معي البعض، وأنا معك في هذا التباين إذا كان الأمر مناطا على فرد وليس فريق عمل متكامل، وهذا يُعيدنا لفكرة "الصناديق"، شهدنا أن التاريخ حكم علينا بقيد الإنجازات بأسماء فردية، وهذا إجحاف حقيقي ومغاير للواقع، خاصة إذا ما راجع الباحث حول تلك الاستكشافات الكبيرة، لسوف يجد أن الكثير من الجهد كان جماعيا، ولكن من قد يُثبت جزما أن التاريخ منصف فيما دونه ويُدونه.

عندما نُخرج الحقائق التي كانت محصورة في رحم الصندوق، للأفق نجد أنها متغيرات، تحتمل التحويل والاستبدال وحتى الإلغاء، بيد أنَّ طبيعة العمليات الحديثة تُلزم عمل حصر للمعطيات، حتى يكون بالإمكان صناعة التوجيه والاستدلال للحلول والأهداف، تحت قيود ومناخ وزمن واضح صُنع بيد فريق العمل، وهنا عقدة الاختلاف التي تظهر جليا عند عمليات الحصر، فتدخل أهواء الناس ومصالحها وفكرهم وغيرها من المؤثرات التي إن اختلف العاملون عليها لتباينت النتائج وتغيرت.

سمو...

الكثير منّا يُريد أن يحقق رغباته وأحلامه، ولا بأس بذلك، طالما أحلامك لن تقوم على كسر ذراع حلم أحدهم، وليست بداية لنهاية سكينة شخص آخر؛ انتبه لما تحلم به، فالأنا سجن وجحيم، بينما نحن، سماء تضج بالسعادة والرضا.