"الحادي" وعازف الحي لم يطرب

 

حصة البادية **

 

التلقي هو غربال النقد، وكل حكم أو توصيف يبنى على المتابعة والاستقراء، بديهيات لابد منها كتأسيس أولي حتى لتلك الأحكام الانطباعية التي قد تصدر عن العامة، أما الأحكام والآراء التي تبنى على السماع والمنقول الشفهي دون متابعة أو تمحيص فبها من الجور ما يعفيها عن الصحة أو يدنيها من العدل .

أتحدث هنا عن مقالات نُشرت عن البرامج التلفزيونية ووصفها بـ"غير الهادفة" (منها ما نشر في صحيفة الرؤية بتاريخ 9 مايو 2022 للكاتب ناصر بن سلطان العموري) متضمنة إطراءً مستحقا- في نظري- على البرنامج البحريني في نسخته الثانية "كفو" الذي لم يصله- كما لم يصلني- عبر متابعتنا الدائمة لتلفزيون البحرين، وإنما عبر وسائل التواصل الاجتماعي؛ إذ سوّق له جمهوره من البحرينيين وغير البحرينيين ممن قدروا للبرنامج فكرته ووسائل تقديمه.

ولأنني أعتقد أن كاتب المقالة لم يتابع أيًّا من برامج هذا العام فضلاً عن برامج رمضان المتزامنة وبرنامج "كفو" فإنني أكتب له وللجمهور عن برنامج "الحادي"على وجه التحديد لما وجدت فيه من إنسانية وما لمست في فريقه من إخلاص وجهد من باب "ولا تنسوا الفضل بينكم".

والكتابة عن "الحادي" تبدأ من فكرته الرئيسة في اختيار شخصيات مجتمعية تعيش بيننا دون أن تنسى الأثر في محيطها، ولذلك الأثر أشكالٌ شتى يعرفها "الحادي" الذي هو شخصية البرنامج المحورية التي يقدمها عبر شكرها من قبل أشخاص يعرفون لهذا الحادي أثره في حيواتهم وفي مجتمعهم، ولذلك فالفكرة تحمل أثرا من جهة وامتنانا لهذا الأثر من جهة أخرى بين حادٍ  مشكور وأوفياء شاكرين.

وإذ نعبر الفكرة الرئيسة فلا أقل من معراج إلى شارة البرنامج المبدعة التي صاغها حرفا ومعنى الشاعر المبدع يوسف الكمالي وأبدع في لحنها وتوزيعها المبدع أسعد الرئيسي معبرين معًا عن استنطاق الفكرة عبر قطعة غنائية أبدعا فيها معًا.

كما نُعرج للتقديم الرخيم بصوت المذيع الرائع داوود القاسمي إلقاءً تعبيريًا متفردًا، ثم عبر فريق العمل الذي حرص بإخلاص لا على نقل وتمثل الفكرة وحسب؛ بل وعلى توثيق المكان ذاكرة شاهدة على الحادي وأثره ومخلصيه الأوفياء اعترافًا بفضل هذه الأرض على غرس وتعزيز قيم نبيلة ما زلنا نفخر بها ونسمو بإعلائها.

فريق التصوير بقيادة المبدع محمد الفارسي الذي لن يعرف المشاهد العادي يقينًا ما كان يبذله من جهد في سعيه لتوثيق الفكرة والمكان معا، متجشما وفريقه عناء الوصول إلى بعض القرى في الجبال أو الوديان حرصا على توزيع عدالة الفكرة بين أرجاء عمان، كل ذلك في موازنة بين أداء الواجب وإبداع المخلص من الممكنات المتاحة.

المونتاج وإبداع الدمج والانتخاب والفواصل مع الرائعين موسى الرواحي ونجلاء الكندي، ولا أنسى الإعداد والإخراج من قبل جميلة البادي التي طرحت الفكرة ونفذتها متابعة وإخراجًا وإشرافًا.

لا أقل من شكر مُستحق لكل هؤلاء المبدعين من طاقم العمل العماني المخلص، الذي نهض بفكرة إنسانية اجتماعية وسعى لتنفيذها وصولا لمُتلقين يعرفون للفكرة قدرها، كما يحرصون على نقدها إيجابيا لتكمل وتسمو.

حلقات رمضانية حميمة تنوعت جغرافيا في جمالات عمان، كما تنوعت موضوعياً بين شخصيات مختلفة الأثر بين مدرّس للقرآن، ومزارع، وصيّاد، وتاجر، موظف مدني وآخر عسكري، وحلقة رائعة بتميز لفئة الصم والبكم إبداعًا وعطاءً. 

لا بُد لأي عمل- مهما أخلصنا- من هنات أو ثغرات، تظهر بقصور بشري أو تحديات مادية أو فنية، لكن التعويل دائمًا وأبدًا على حسن استقبال العمل ثم نقده نقدًا واعيًا ساعيًا للتطوير وتقديم الأفضل.

شكرا لـ"الحادي" ذلك العمل الرائع، وأرجو لفكرته الاستمرار واستنطاق الدهشة مستقبلًا عبر التجديد والتطوير.

وختامًا لا أنسى دعوة نفسي وكاتب المقالة- كما أدعو غيره- للتمهل في الأحكام، وأدعوهم إلى متابعة ميدان ما يكتبون عنه (مرحليًا على الأقل) قبل إصدار الأحكام والتجني في التعميم.

** أكاديمية وشاعرة عُمانية

تعليق عبر الفيس بوك