إعجاز أحمد.. مسيرة حافلة بالحب والنضال

 

علي الرئيسي **

 

اختطف الموت البروفيسور إعجاز أحمد في 9 مارس 2022  في إرفاين، بولاية كاليفورنيا في الولايات المُتحدة الأمريكية؛ حيث كان أستاذًا للأدب المُقارن في جامعة كاليفورنيا، ووُلِدَ إعجاز أحمد في عائلة ميسورة في ريف اندرابراديش في الهند عام 1941، وهُجِّر قسرًا مع عائلته  إلى لاهور في باكستان في زمن تقسيم الهند عند الاستقلال، وشهد مبكرًا مآسي التهجير والقتل التي حدثت في بلده بسب الهوية، أو كما أسماها أمين معلوف بـ"الهويات القاتلة".

قام إعجاز أحمد بالتدريس لسنوات عديدة  في عدد من الجامعات في الولايات المتحدة وكندا، بما فيها جامعة يورك في تورنتو بكندا والتي كانت لسنوات عدة مركزا للدراسات الإبداعية غير التقليدية. بعدها عاد إلى الهند والتي أصبحت موطنه؛ حيث قام بالتدريس في جامعاتها لعدة عقود، وكان أستاذًا زائرًا في مركز الدراسات السياسية في جامعة جواهر نهرو، وأستاذًا لكرسي خان عبد الغفار خان في جامعة ملى إسلامي، وكان أحد الكتاب الدائمين لمجلة فرونت لاين Frontline  وعدد من الدوريات اليسارية.

ونال إعجاز أحمد شهرته، عندما قام بمسألة النظرية النقدية (الأدبية) Literary Theory، تلك التي سادت الدراسات الأدبية في الجامعات الغربية خاصة والعالم عامة. وفي عام 1990 نشر كتابه "في النظرية" (In Theory)؛ حيث انتقد النظريات الفرنسية ما بعد الحداثة التي هيمنت على الدراسات الإنسانية. وبجرأة وبدون مواربة أدان إعجاز أحمد "ما بعد البنيوية"، وبالذات "ما بعد الكولونيالية"، التي حاولت أن تحل محل النضال النقابي، والمعارضة السياسية التي سادت الستينات والسبعينات من القرن الماضي.

إعجاز أحمد، كان نتاج لتلك السنوات التي شهدت النضال من أجل إزالة الاستعمار، وإنشاء الدول الوطنية في العالم. وآمن بالنضال السياسي والتحرر من القهر الطبقي واللامساواة، ومن أجل حرية الإنسان. وفي كثير من كتاباته، اعتبر أنَّ الفلسفة الفرنسية المتأخرة، مسؤولة أدبيًا عن تدمير النضال السياسي المعارض للرأسمالية بالنصوص المفرطة، وماركسية ما بعد الحداثة. وكان إعجار أحمد استفزازيٌ في نقده؛ حيث انتقد ما أسماه بعدم الالتزام الذي أبداه عدد من الكتاب مثل إدوارد سعيد وزميله الماركسي فرديرك جيمسون، وعلى إثر ذلك تم إصدار عدد لا بأس به من الكتب، وإصدار عدد خاص من مجلة الثقافة العامة (General Culture)، للرد عليه وتفنيد أطروحاته التي وردت في كتابه "في النظرية".

وجه أحمد أيضًا نقده الحاد لما سماه بـ"الفلسفة الموضة" التي كان أبطالها أكاديميين من العالم الثالث الذين هاجروا إلى الغرب؛ حيث إن مصطلحات مثل الهجرة والمنفى أُدخلت إلى أبجديات الدراسات الأكاديمية، في البحث والتدريس، كصور رمزية. وعوضًا عن أن دراسات الهجرة تعبر عن صدمات وقسوة الاغتراب، فإنها تنقل واقعًا فانتازيًّا مُغايرًا يُعبر بصورة واضحة عن الانفصام بين الأكاديميا والواقع المعاش للمهاجرين. وثمَّة فارق حقيقي بين واقع المهمشين، والدراسات المعنية بالهجرة والديسابورا (مجتمع الشتات) في الجامعات. وكانت رسالة أحمد دائمًا- إضافة إلى تحليله الطبقي للعولمة والرأسمالية- رسالة للحرية من الحرب، ومن الملاحقة والاضطهاد. والحياة الصعبة، التي قضاها في نضاله الدؤوب ضد المؤسسات وعمله المستمر، كان دائمًا من أجل العدل والمساواة.

إعجاز أحمد كان ناشطا سياسيًا في باكستان قبل أن يتم طرده منها بعد الانقلاب الذي قاده محمد ضياء الحق. وكان دائمًا لا يتوانى عن التعبير عن رأيه في الأحداث السياسية حتى لو كانت لا ترضي أطرافًا من رفاقه، فهو إن كان من مؤيدي استقلال بنجلاديش، إلا أنه عارض انفصال بلوشستان، وهذا الموقف بالذات أغضب رفاقه البلوش؛ حيث اعتبر أن انفصال بلوشستان لن يؤدي سوى إلى هيمنة السردارات (الإقطاعيين) على الحكم، نظرًا للطبيعة القبلية للمجتمع، وأن هذه النخب ستكون تابعة للإمبريالية الأمريكية. وبعد مغادرة باكستان للمرة الأولى في بداية السبعينات أخذه الترحال إلى مدن عديدة، حيث سافر إلى هارلم في نيويورك، والقاهرة، وبيروت، ودمشق، والى مخيمات الفلسطينيين في الأردن.

وفي عام  1996، أصدر كتابه "روابط الحاضر" والذي تضمن سيرته الذاتية والذي اعتبر نفسه لاجئا، وتناول فيه لأول مرة خروجه من باكستان. وفي عدد من المقالات، تناول فيها بشكل مفصل قلقه من وصول اليمين الهندوسي للحكم، وكيف قامت هذه الجماعات بتدمير مسجد بابري الذي تم بناؤه في القرن السادس عشر. وكيف يُواجه المسلمون مزيدًا من العنف، والسياسات العنصرية التي يُمارسها الحُكم الهندوسي ضد المُسلمين، مما حدا بالحكومة الهندية إلى عدم تجديد إقامته، واضطر إلى العودة إلى أمريكا مرة أخرى والتدريس في جامعة كاليفورنيا بمدينة إرفاين.

** باحث في قضايا الاقتصاد والتنمية