الذاهبون إلى أوكرانيا من "الدواعش" و"الإخوان".. الدوافع والنتائج!

د. رفعت سيد أحمد

مع استمرار الحرب الأوكرانية- الروسية وتعقد مساراتها وزيادة كلفتها السياسية والاقتصادية عالميا وليس فحسب لدى طرفي الصراع المباشرين..في هذه الأجواء فتحت جبهات جديدة للصراع، كانت خجلة في البداية والآن توسعت واتضحت أبعادها الغامضة.. ومن هذه الجبهات التي فتحت؛ جبهة (الذاهبون إلى أوكرانيا من المتشددين الدواعش والإخوان) ..إنه ملف غامض ومركب وتكمن بداخله أسرار ومعلومات كثيرة عن خريطة الإرهاب العالمي وتشابكاته مع أجهزة مخابرات غربية ..اعتادت توظيف تلك الجماعات المتطرفة في تحقيق أهداف وتنفيذ مخططات واستراتيجيات دولية يكونون فيها مجرد (وقود) إشعال وتخريب وربما تتقاطع المصالح بين تلك (الجماعات) و (الأجهزة المخابراتية) في لحظات تاريخية فارقة ..عادة يكون نتيجتها الفوضى والدم.

الآن.. وبعد أن تمَّ رصد عناصر من الإخوان والدواعش قادمون من إدلب في شمال سوريا بتمويل وتخطيط إخواني وهذه العناصر تنتمي إلى جماعات "أنصار التوحيد" و"حراس الدين" الداعشية و"هيئة تحرير الشام" ذات العلاقات الوثيقة مع واشنطن، في مناطق القتال في أوكرانيا إلى جوار الجيش الأوكراني وضد القوات الروسية.. فالسؤال الآن: ما الدوافع التي حفزت تلك الجماعات لاتخاذ هذه الخطوة الدامية؟ ثم ما النتائج المتوقعة لها سواء في الحرب أو بين أطرافها أو في الشرق العربي القادمة منه تلك الجماعات المتطرفة؟

أولًا: كما هو معروف هؤلاء الذاهبين إلى أوكرانيا جاءت فكرة ذهابهم بعد يوم 27 فبراير 2022؛ أي بعد 3 أيام من بدء الحرب التي اندلعت يوم 24 فبراير 2022، وجاءت بعد خطاب مهم للرئيس الأوكراني وقتها دعا فيه إلى تشكيل ما أسماه بـ"الفيلق الدولي" للدفاع عن أوكرانيا، فبدأت الجماعات النازية والداعشية والإخوانية وبعض المتطوعين الأوربيين، تستجيب للدعوة وتذهب للقتال ضد الروس، ليس فقط استجابة لدعوة الرئيس الأوكراني؛ بل لتحقيق أهداف أخرى أكبر، ومنها استنزاف روسيا والثأر منها بعد دورها المشهود في قتالهم في سوريا والتسبب في هزيمة مشروعهم الداعشي والإخواني هناك.

ويأتي من بين الأسباب أيضاً لذهاب الدواعش إلى أوكرانيا والذين يقدر عددهم اليوم هناك بخمسة آلاف مقاتل، مساعدة واشنطن وحلف الناتو في العمل العسكري مع حليفهم الأوكراني في مقابل دعم واشنطن لهم في الشمال السوري تمهيدًا لفصله عن الوطن الأم سوريا، وتمهيدا أيضا لمساعدة واشنطن لهم في استرجاع قوتهم المفقودة بسبب قوة الجيش السوري وحلفائه للدخول ثانية إلى المناطق التي حررها الجيش وبسطت الدولة سيادتها عليها؛ بمعنى آخر المنفعة.

وتسعى هيئة تحرير الشام والإخوان المسلمين السوريين أيضا إلى إرسال مسلحين للقتال في أوكرانيا، لخدمة المصالح الأمريكية المتشابكة في المنطقة، لكسب رضا الطرف الأمريكي، وصولاً إلى تحقيق هدف تكتيكي هو تحييد الجانب الأمريكي، بعدم محاربة هذه الجماعات داخل سوريا، والذي كان عادة يتم دفاعًا عن الجماعات الكردية الصديقة لواشنطن ومنها جماعة "قسد"، وإستراتيجيًا الوصول إلى ما هو أبعد، وهو الاتفاق والتحالف مع أمريكا، لإحياء "الربيع العربي" الفاشل، من خلال الاعتراف مرة ثانية بالإخوان وهيئة تحرير الشام دوليًا، بعد فشل مشروعهم في "الربيع العربي" المزعوم.

وفي ذات السياق، وبعد توزيع الإعداد والمهام للمقاتلين الإخوان والدوعش، بعضهم في أوكرانيا والبعض الآخر بقي في سيناء المصرية، وبلاد المغرب العربي وسوريا، استغلت العناصر التي لم تذهب إلى أوكرانيا انشغال روسيا بالحرب في أوكرانيا، للدعوة إلى الانضمام إلى صفوف التنظيم، خاصة في سوريا بشكل مُعلن، عبر وسائل إعلام التنظيم، والتي رصدها كاتب هذا المقال ووجدها تلح في مسألة التجنيد وتُزيِّن للمجندين الجدد الدنيا والآخرة! مما يعكس أن التنظيم يأمل في تحقيق مكاسب إرهابية جديدة، مستغلًا الانشغال الدولي بالحرب الأوكرانية، والتداعيات الاقتصادية المترتبة عليها. وعليه، فواقع الحال يشير إلي احتمال زيادة معدل التجنيد والمنضمين للتنظيم خلال الفترة القادمة، في سيناء بشكل جزئي وفي سوريا بشكل أكثر وضوحا وقوة وبالتالي تصاعد مؤشر عمليات داعش، خاصة مع عدم وضوح توقيت محدد لانتهاء هذه الحرب.

ثانيًا: لعل أخطر النتائج المترتبة علي ذهاب هؤلاء الدواعش والإخوان للقتال إلى جوار الجيش الأوكراني وضد القوات الروسية أنهم سيمثلون عبئًا مستقبليًا على أوكرانيا وأغلب الدول الأوربية عندما تضع الحرب أوزارها، ويتوصل الجانبان الروسي والأوكراني إلى تسوية سياسية واستراتيجية للأزمة وهو المتوقع؛ إذ من المحتمل أن يستوطن هؤلاء الإرهابين في أوكرانيا وعلى حدودها ويبقوا في أوكرانيا وفي البلاد الأوربية المجاورة لها، وأن يمثلوا حزامًا داعشيًا شديدًا، ومن المتوقع من الحكومات الأوروبية مستقبلًا أن تمنع استقبال تلك العناصر العائدة، التي شاركت في هذه الحرب، وهو ما قد يتسبب في بقاء أغلب العناصر الإرهابية المقاتلة في تلك الحرب في الجغرافيا الواقعة بين روسيا وأوكرانيا، وبالتالي الانضمام لداعش الذي قد يتمركز في المناطق المتنازع عليها بين روسيا وأوكرانيا وينشئ دولته الجديدة هناك، خاصة وأنَّ العديد من التقارير الدولية الجديدة تؤكد مشاركة عناصر من إستونيا وبيلاروسيا والتشيك وغيرها من الدول المجاورة لأوكرانيا في الحرب الأوكرانية، فضلا عن المقاتلين الشيشان.. كل هذه الجماعات من المحتمل أن تنضم إلى "داعش" في المنطقة المذكورة، وتكوين حزام داعشي في تلك المنطقة، تنطلق منه عمليات إرهاب في العمق الأوروبي، خاصة وأن عقيدة الدواعش والإخوان التاريخية والثابتة هي أنهم لا صديق لهم ولا سقف لإرهابهم.

ثالثًا: من أهم وأخطر نتائج قضية "الذاهبون إلى أوكرانيا من الدواعش والإخوان" هي عند عودة بعضهم إلى بلدانهم الأصلية وساعتها سيسمون بـ"العائدون من أوكرانيا"، وسيكررون نموذج العنف الدامي الذي نتج عن ظاهرة مماثلة في تاريخ الإخوان والدواعش واكتوي بها الشرق العربي وهي ظاهرة "العائدون من أفغانستان" والتي حولت مصر والشام وبلاد المغرب العربي بل والسعودية إلى ساحات فوضى ودم وإرهاب، وهو قطعًا ما سينتج عن "الذاهبون إلى أوكرانيا" عندما يتحولون إلى "العائدون من أوكرانيا"؛ الأمر الذي على صُنّاع القرار في شرقنا العربي والإسلامي الانتباه إليه جيدًا والعمل من الآن على مُواجهته.. والله أعلم.