كورونا.. شخصيتنا.. تاريخنا!

 

يوسف عوض العازمي

@alzmi1969

 

"بعيدًا من فكرة المؤامرة، كأن العالم يعيش أيام حربٍ كونية، يجتمع بعدّته وعتاده، وآخر ما توصّل إليه عقله وعلمه وفكره وأمواله ومصانعه وأسلحته، هو في جهة، ومجاميع فيروس ميت، في الجهة المقابلة!". طالب الرفاعي.

*****

نستطيع القول بثقة حذره إن التاريخ الشخصي لكل إنسان قد يكون مرجعا أو وثيقة تاريخية معبرة عن حدث ما، الكثير من البسطاء الذين عايشوا أحداثاً تاريخية هامة ومفصلية وأثرت على سير الحياة، لو كتبوا مذكراتهم الشخصية لربما كشفت معلومات لم يتم التطرق لها، هنا أقصد دقائق التفاصيل، ودواخل الأمور التي لم يبحثها أي باحث بذات الحدث، فما بالك بما جرى وحدث إبان جائحة كوفيد-19 (كورونا) ألا تتفق أن لكل إنسان قصة شخصية وشهادة فيما يخص الحدث الذي ما تزال بعض تفاصيله تنتظر الحسم بالانتهاء، فما بين فينة وأخرى تنشر بعض الوسائل الإعلامية عن اكتشاف متحور هنا وفيروس هناك وكأننا نعايش المثل الكويتي الشهير: "جاك الذيب جاك ولده"!

لاشك لن أحدثك بتفاصيل علمية حول الجائحة وأسبابها ونتائجها ومآلاتها وبداياتها إلخ، إنما سأتحدث لك شخصيًا عن تجربة شخص ما شخصيًا كان قد ذكرها لي شخصيا، ليس مهما ذكر اسم الشخص، الذي ربما يكون أنا أو أنت أو أي من المليارات من البشر الذين عايشوا وتعايشوا مع الوباء، سأحكي لك تجربة إنسانية بحتة لاعلاقة لها بالسياسة ولا بالطب ولا ببلح الشام ولا حتى بالحمص بطحينة!

سأتحدث بلسانه؛ إذ قال: واجهت الجائحة كغيري من البشر، انتظمت والتزمت بتنفيذ التعليمات الطبية من الجهات المختصة، التي كانت لا تعرف حتى تسير للأمام خطوة أم ترجع للوراء خطوتين، وكانت الحيرة عنوان الحال هل تركز وتنفذ تعليمات منظمة الصحة العالمية ومسؤولها الأثيوبي الذي أصبح أشهر من كريستيانو رونالدو، أو تلتفت لتقارير وتوصيات الأطباء الذين يواجهون الحالات ميدانيا، وكان التخبط خطا عريضا لأحوال الحالة العامة، وتمت إثارة الرعب بين الناس، حتى أنني أصبحت أغسل يدي كل عشرين دقيقة تقريبًا وبانتظام عدا وقت النوم، أما السلام فقد تم اعتماد قاعدة : السلام نظر لو سمحت!

وأصبح الخوف من احتمالات الإصابة بالفيروس المشؤوم هو الدارج، وأصبح يتناقل الناس أسماء من أصيبوا وبأنهم يواجهون الموت، وسرت شائعات بأن استخدام بعض الأدوية قد يفاقم الحالة وبأن بعض الأطباء يتعاملون مع صرف الأدوية للمصابين بطريقة امسح واربح، وياجماعة المستشفى الفلاني أصبحت غرفه غرفاً للموت المحقق وبأنَّ كل مصاب يدخله يتم فورا استخدام عقار كورتيزون معه ومع ألف سلامة والدفن غدا بالمقبرة وبلا مشيعين بسبب إجراءات كورونا!

ثم بدأت الانتقادات الحادة للحكومة (حكومة ما) بسبب التعامل مع الوباء، حيث يأتي أحدهم بالكاد يفك الخط وينتقد إجراءات طبية صرفة لن يفهم أول حرف بها، فما بالك بأول عبارة، ثم يلقي مسؤول الصحة كلمة عصماء يؤكد أن الوباء قد يستمر إلى يوم القيامة! (يبدو أن الأمور حاليا في طريقها للانفراج، وفال الله ولا فال المسؤول!).

مالك بالطويلة قدر الله بعدها وأصبحت الحالات متعود عليها بشكل يومي وأصبحت الناس تنتظر إحصائيات الكورونا أكثر  من نشرات الأرصاد الجوية، وكما حصل للكثيرين فقد أصابني هذا الوباء ثلاث مرات مرتان بلغت عنهما رسميا ومرة عزلت نفسي وكان الله غفورا رحيما (ما زلت أتحدث بلسان الصديق!)، وأقتنعت بأنه أشبه بالفيروسات الموسمية الشبيهة بالأنفلونزا، ولا أكثر من ذلك، لست طبيبا ولا أدعي العلم لكن أسأل مجرب ولاتسأل طبيب، هذا الوباء يؤثر فقط فيمن يعانون من أمراض تخص التنفس أو من يعانون الأمراض المزمنة، أما الشخص السليم الطبيعي ستمر عليه كالإنفلونزا، وإن اختلف مرورها من شخص لآخر. وكمواطن ملتزم قررت الامتثال للتعليمات وأخذت ثلاث تطعيمات، ومن المفارقات الطريفة التي حدثت أن أنني وكأحد النَّاس الذين قاموا باستعمال المعقمات الطبية، كنت أغسل كف يدي دائماً بطريقة الوجه والظهر ولاحظت بعد مدة قصيرة آثارا على جلد اليد أشبه بالحروق وإذا هي بسبب المعقم.. الله المستعان! بعدها اقتنعت بعد توصية الطبيب بأن الماء العادي هو خير معقم بعد الله.

انتهى كلام أو شهادة صديقي التي قطعاً لن تدون من ضمن أدب كورونا (أصبح مصطلح أدب كورونا شائعا كما أعتقد)؛ لأنه شخص بسيط وليس فلانا الفلاني أو علانا العلاني، هكذا التاريخ لايذكر جل المؤرخين إلا الأسماء اللامعة. أما البسطاء- كصديقي- فلا أظن أن تأريخه أو تاريخه الشخصي سيكون محل اهتمام المؤرخين، فقد يُرى أن لا فائدة من ذكر اسمه، فلن يقدم أو يؤخر في عرف مؤرخي هذا الزمان؛ حيث أعتقد أن نجم التاريخ الكوروني عند من سيؤرخ هو مسؤول منظمة الصحة العالمية المغضوب عليه من ثلاث مليارات إلا ثلاثة ملايين من البشر (طبعاً أعتقد شخصيا أن الثلاث مليارات إنسان يحملون الغضب عليه لكن لزوم الدقة جعلتها إلا ثلاثة)!

ولو رجعنا للتاريخ، نجد أن العالم ابتُلي بالإنفلونزا الإسبانية في سنة 1918، وهي التي أودت بحياة الملايين من البشر وقتذاك، وتم ابتكار العديد من اللقاحات التي نجحت إلى حد ما في الحد من انتشارها، وبعدها قامت كثير من الدول- آنذاك- باتخاذ  قرارات وإجراء دراسات بخصوص الأمور الصحية والغذائية والاقتصادية، إنما بعد الحرب العالمية فجأة بقدرة قادر اختفت كل هذه الجهود!

وعندما انتشر الوباء في زمننا هذا، تذكرنا ما حدث في القرن الماضي ولسان الحال: ما أشبه اليوم بالبارحة!

أزمة كوفيد-19 كشفت عن هوة عميقة بين القطاعين العام والخاص، وأثبتت أنَّ غالبية شعارات تشجيع ودعم القطاع الخاص والتوجيه والنصح للعمل فيه هي شعارات غير دقيقة، وثبت أيضًا أن علينا التثبت من المناهج الأكاديمية وإعادة هيكلة شاملة للتركيز على التخصصات المهمة كالطب وفروعه، والكهرباء وتخصصات التشغيل والصيانة للطاقة وغيرها، وكذلك مهم جدًا النظر لأهمية الأمن الغذائي والعمل على ضمان الحد الأدنى من الناتج المحلي لتغطية البلاد واستيعابها بالشكل الأمثل.

أزمة كورونا واقعيًا أصبحت خطًا زمنيًا تاريخيًا، فما قبل كورونا ليس كبعده، ويفترض أن تتعلم الدول من آثار هذه الأزمات، وتعمل إستراتيجيات واقعية وفقًا لإمكانيات وقدرات وحاجات البلاد.

قال تعالى: "قُل لَّن يُصِيبَنَا إِلَّا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَنَا" (سورة التوبة: 51).