ليلة أخرى في جبال الألب

 

إسماعيل بن شهاب البلوشي

من العراقي في محافظة الظاهرة والتي ما زالت في صورتها الأقرب كثيرًا إلى تقاليد الماضي الأصيل بحضور الخيل والإبل ومشاهد جلسة القرفصاء التي لا حراك بها ولا مساومة ومن صوت الأكبر سناً "قهوة"؛ ليلتقي على مدلاة القهوة عدد كبير من الشباب وغيرهم ليحسمها الأكثر جلدًا وحلفانًا؛ بل وقد يتسبب في كسرها ويفوز بواجهة المجلس ذلك اليوم؛ لأنه نجح في أن يصب القهوة على الحضور، ومن شباب قد يكون لهم حتى السفر إلى مسقط حلماً، وكنت واحدًا منهم، تم اختيارنا لزيارة أوروبا، وتحديدًا جبال الألب، التي تقع بين كثير من دولها.

ومِن لبس الخنجر والدشداشة والمصر إلى "البدلة" وربطة العنق، وبدون مقدمات أو توضيح أو شرح، صعدنا إلى الطائرة لنهبط في مطار شارل ديجول في فرنسا، والذي يعد واحدًا من المطارات المهمة في أوروبا، ليبدأ المشهد بالتغير في شكل البشر وألوانهم وملابسهم ولغتهم وطريقة حياتهم، التي هي أقرب في فروقها الرئيسية بين أهمية العلوم والأخبار في مناطقنا والتعرف على كل من نرى إلى العكس من ذلك تمامًا، وهو لا علاقة لك بغيرك وأن كل من ترى سيبقى غريبًا إلى الأبد إلا ما ندر.

كان الهدف الرئيسي من الزيارة هو المغامرات في الثلوج وتسلق الجبال؛ لذلك كانت الوجهة إلى أفضل المناطق على مستوى العالم إلى جبال الألب، وتحديداً في قمة تينيا "Tignes" بفرنسا؛ ولأن الطريق الجبلي اليها يمر بواحدة من أفضل مناظر المسطحات الخضراء والأنهار والثلوج ومروج الفاكهة كالتفاح والعنب، كانت أيضاً بالنسبة لنا فارقاً معاكساً للرمال والجبال السمراء في عمان، ليس بمقارنة الأفضلية، ولكن للاختلاف وحسب.

كان عددنا ما يقرب من العشرة شباب، بدأنا برنامج التدريب للتزلج على الجليد غير أن الأمر كان يشبه المعجزة، أن نتمكن فقط من الوقوف بمعدات التزلج، ويكفي أن أذكر هنا أنه وفي الأيام الأولى أحدثنا حراكاً غير عادي في كل من كان يمارس تلك الرياضة المشهورة في أوروبا من خلال تجمعهم لمشاهدة غرباء في كل شيء، يحاولون تعلم شيء لم يجربوه أو حتى يرون من يمارسه في حياتهم قط، غير أن الأيام لم تطل حتى كنَّا ننافس أصحاب الأرض في أكثر الحركات، عدا بعض الأصدقاء الذين لم يجدوا في أنفسهم أي أمل في تعلم تلك الرياضة، فرموا بمعداتها إلى غير رجعة!

قضينا ثلاثة أسابيع في برنامج أكثر من رائع أضيف إليه مغامرات التجديف وتسلق الجبال والسير الطويل في جبال الألب، بعدها عدنا إلى أرض الوطن وانشغلنا بالجوانب الرئيسية في أهم مرحلة من العمر. وفي حين تأمل جميل وبعد سنين طويلة عادت ذكريات جبال الألب في نفسي ورحت أقصها على أسرتي، فشدني الشوق وتحمس الجميع أن نعيد ذكرى الزمان والمكان، وبالفعل ذهبنا إلى نفس المكان ونفس النزل والمنطقة، غير أنَّ إضافات لا تُعد ولا تُحصى زرعت هناك، إلا أن الأهم في الأمر أني أردت أن استعرض مهاراتي في التزلج فكانت النتيجة أمام أسرتي أبدًا ليست كما كنت أتوقع؛ فشاهدت الجميع يرمي بالكثير من الهمس والإشارة غير أنني أعدت الكرة وأتيت بمدرب ووصلت إلى مستوى ممتاز، مما جعل الجميع يتحمس؛ بل ويتقن هذه الرياضة الجميلة، وأن الأسرة أصبحت لها هذه الهواية أيقونة مهمة في حياتنا. ومن خلال متابعة برامج الدول والطقس المناسب أصبحنا نبحث عن الجليد تمامًا كالباحثين عن الطيور وهواية الصيد.

الأمر الجميل- إن لم يكن الأجمل- أنه عندما كنا في مقتبل العمر كنا نتحرك بالحافلات، أما وبعد أن عرفنا المنطقة وقيادة السيارة فقد كانت كل تحركاتنا موجهة منا، ولم نكن لنترك أي مكان جميل وضعت فيه كراسي بعناية سياحية فائقة تطل على بحيرة أو قمم جبلية أو مشاهد للشلالات المائية إلا لنتوقف ونحتسي الشاي، الذي كان رفيق دربنا طوال الوقت، وهكذا كان الفارق بين شباب متحمس إلى رجل لم يكن ليترك أي مكان إلا ويرى لنفسه أنها تستحق أن تستمتع بذلك المكان وقراءة ما فيه كشيء آخر قد لا يكون مُهمًا لغيره، وبذلك فإنَّ جبال الألب وقفزات حيوان الإيمو الذي يشبه الأرنب أصبح لزيمًا جميلًا ومحببًا في نفوسنا؛ ليكتب لنا ليالي وليالي أخرى في تلك الجبال الرائعة بجمالها وذكراها.