أهمية الهندسة القيمية في المشاريع التنموية

 

م. أنور بن خميس العريمي

alaraimianwar@gmail.com

 

لا شك أنَّ ازدهار الدول وتطورها لا يأتي إلا من خلال التنمية في جميع مناحي الحياة المختلفة، وذلك من خلال تنفيذ المشاريع التنموية المستدامة في البنية الأساسية الحديثة، التي تمهد لجذب الاستثمارات المحلية والأجنبية وتوطينها، وبالتالي تنعكس إيجابًا على رواج التجارة وتنمية الاقتصاد الوطني في تلك المناطق.

ونشير هنا إلى اهتمام الحكومة الرشيدة بقيادة حضرة صاحب الجلالة السُّلطان هيثم بن طارق المعظم- حفظه الله ورعاه- بمواصلة تعزيز النمو الاقتصادي وحركة التنمية في السلطنة، وتوجيه جلالته- رعاه الله- بتنفيذ مشاريع تنموية مضافة إلى المشاريع المعتمدة في الخطة الخمسية العاشرة (2021- 2025) بما يزيد عن 650 مليون ريال عُماني ليتم تنفيذها خلال ما تبقى من سنوات الخطة الخمسية الحالية على مختلف القطاعات التنموية، إضافة إلى زيادة السيولة المالية لمُخصصات الموازنة الإنمائية لهذا العام بمبلغ 200 مليون ريال عُماني؛ ليصل إجمالي المبالغ المخصصة للصرف مليارًا ومائة مليون ريال عُماني.

ونظرًا لأهمية هذه المشاريع الحيوية للمجتمع والمستثمرين، تُنفِق الدولة ملايين الريالات لإنجازها على أكمل وجه، بالرغم مما تُواجهه تلك المشاريع من تحديات في مختلف جوانبها وخصوصًا الهندسية والإنشائية؛ بسبب طول مدتها وكثرة متطلباتها المستمرة من بدايات التنفيذ الى إتمام الأعمال، الأمر الذي يؤدي الى تكبد الدولة أعباءً كبيرة وتكاليف إضافية نتيجة ارتفاع أسعار المواد الإنشائية وحدوث مخاطر طبيعية غير متوقعة وطلبات أوامر تغييرية...إلخ.

لذا ومن أجل مكافحة تلك التحديات والتخفيف من وطأتها، جاءت فكرة الهندسة القيمية في نهاية الأربعينيات من القرن الماضي وتطورت في بداية الستينيات من القرن نفسه في الولايات المتحدة الأمريكية؛ بهدف تقليل الإنفاق والمصاريف على المشاريع والمنتجات من خلال تحليل وظائفها ومن ثم طرح بدائل أخرى تؤدي الغرض نفسه، ولكن بأقل كلفة مع عدم الإخلال بجودتها، وهي فكرة مختلفة جدًا عن فكرة خفض التكاليف التي تعتمد على تجزئة المشروع وإلغاء بعض الأجزاء؛ حيث تُعرّف الهندسة القيمية بأنها "جهد جماعي منظم لأجل تحليل وظائف المشروع ومطابقتها لمتطلبات المستفيد ومن ثم ابتكار بدائل تؤدي تلك الوظائف بأقل أو أنسب تكاليف ممكنة دون الإخلال بالجودة والوظائف الأساسية" (عبدالعزيز اليوسفي- إدارة القيمة).

وبرزت أهمية هذه الفكرة وثبت جدواها في معظم دول العالم المتقدمة تقنيًا، والسر في نجاح هذا الأسلوب إمكانية تحديد مواطن التكاليف الزائدة وتحسين الجودة والأداء معًا والأمثلة عليها كثيرة. ففي عام 1998م أسست شركة أرامكو السعودية مجموعة الهندسة القيمية في إدارة مساندة المشاريع، وذلك بجمع أفراد كثيرين من تخصصات مختلفة، أمّنت دراسات الهندسة القيمية في الشركة فرص توفير بلغ مجموعها 1000 مليون دولار من خلال 150 دراسة، بمعدل 30 إلى 40 دراسة سنويًا. وفي إحدى الدراسات للمواصفات الكهربائية في أحد المشاريع تم تحديد توفير أكثر من 60 مليون دولار من المقترحات الموافق عليها. الأمر الذي دفع إدارة المشاريع إلى جعل دراسة الهندسة القيمية إلزامية لكل مشروع تفوق قيمته عشرة ملايين دولار؛ إذ استطاعت شركة (أرامكو) النفطية أن توفر ملياري دولار فى المشاريع التي طبقت عليها دراسات قيمية، مشيرة إلى أن ذلك أدى إلى أن تصدر قانونًا يقضي بأن أي مشروع لم تجرَ له دراسة قيمية لا توضع له ميزانية (مجلة القافلة الإلكترونية).

ولمّا كانت الهندسة القيمية أسلوبًا مميزًا يحتوي على اقتراحات وابتكارات تؤتي ثمارها كل حين في دول العالم شرقًا وغربًا، أليس من الواجب علينا وهكذا منافع تطبيقها في مشروعاتنا التنموية لنجني الفوائد العظيمة كالآتي ليست للحصر:

1. خفض التكاليف الإضافية غير الضرورية الناجمة عن الأخطاء التصميمية.

2. التقليل من الأوامر التغييرية والأعمال الإضافية.

 3. خفض لعناصر التكلفة الكلية بما ينعكس على عدم إرهاق ميزانية الدولة وإهدار المال العام.

 4. رفع مستوى الجودة وكفاءة الأداء لمكونات المشروع.

5. الحفاظ على المال العام واستغلاله في الوقت والمكان المناسبين

6. تقليل النزاعات المترتبة عن المطالبات في المشاريع.

7. الاستغلال الأمثل للموارد المالية وترشيد الإنفاق والمصروفات بما يؤدي إلى تراجع العجز المالي في الدولة والقضاء عليه.

8. توفير الكثير من الجهد والمال والوقت في المشروعات.

ومن الأفضل تطبيق الهندسة القيمية عند دراسات الجدوى ومراحل التصميم الأولية، بما يمكّن المتخصصين من تحليل وظائف المشروعات بسهولة ويسر وطرح أفكار جديدة وبدائل أخرى بأقل تكلفة ونفس مستوى الجودة للوصول إلى النتيجة المرجوة من إبرام تلك العقود، ولا مانع من تطبيقها أثناء مراحل التشييد.

وعند إطلاعي على بنود العقد الموحد للإنشاءات والأعمال الهندسية الجديد الصادر عام 2019 (تحديث رقم 1)، لفت انتباهي أنَّه قد تم تضمين هندسة القيمة تحت البند الفرعي (13 /2)  للتغييرات والتعديلات وهو عبارة عن تقديم المقاول مقترحًا حسب رأيه إلى المهندس يكون على نفقته يحقق لصاحب العمل بعض الفوائد كتخفيض التكلفة وغيرها من الأمور التي تساعد على إتمام المشروع وإنجازه بصورة جيدة حسب المطلوب، ويتم اعتماده كتغيير في العقد، وهي بصورة عامة بادرة جيدة ولكن السؤال الذي يطرح نفسه هل من المنطق أن يقدم المقاول مقترحات في المشروع في غير صالحه ؟!!

وكان من الأجدر وضع بند صريح في العقد يسمح لصاحب العمل بإعداد دراسات الهندسة القيمية أثناء التنفيذ بمراحله المختلفة.

وبناءً على ما تقدم نناشد وزارة المالية والأمانة العامة لمجلس المناقصات بإلزامية تطبيق هذا الأسلوب المميز في المشاريع الحكومية وبالأخص المشاريع التنموية الكبرى، ونقترح إضافة مادة في قانون المناقصات العُماني تُعنى بالهندسة القيمية أو إصدار قرار إلزامي ينظم آلية هذا التطبيق، إضافة الى تعريف الموظفين المعنيين في ذلك بأهمية هذا الموضوع من خلال عمل دورات وورش تدريبية وتوعوية وإقامة مؤتمرات وملتقيات سنوية لنشر ثقافة الهندسة القيمية.

إنِّه من الضروري جدًا الاهتمام بهذا الأسلوب المنهجي العلمي المنظم لما فيه من عظيم المنفعة للدولة لاستغلال مواردها المالية الاستغلال الأمثل في مشروعات حيوية أخرى.

تعليق عبر الفيس بوك