فانية.. فكن إنسانًا

 

سارة البريكية

Sara_albreiki@hotmail.com

 

 

كم كان صوتك شديد اللهجة معي كم كنت تتفاخر بطولك وجمالك وقوتك وشبابك؟ كم كنت تريد الأفضل وتبحث عن الأجود وتبحث عن ما تتصوره مخيلتك الصغيرة؟ كم كان صوتك عاليا ولسانك طويلا وكنت استمع إليك وكأنه لم يخلق سواك على الأرض؟ كنت هادئة للحد الذي لا يمكن لمخيلتك الصغيرة أن تعيه، وكنت أظن أن الأيام كفيلة بأن تعطيك درسًا، وأنك ستكبر وتكبر وتكبر وتتغير أفكارك وتكون راشدًا وتعي ما تقول وتندم على ما قلت، لكنك واصلت ذلك الغرور، فأخذت هدنة مع نفسي ومعك وتركتك تذهب في شأنك، لعلك تعود نادمًا ولعلَّ الذي جعلك تغتر على المقربين منك يجعلك تشعر بقيمة الوحدة بعدها.

يُخيّل إلينا أننا سنعيش طويلا وسنكبر ونتزوج وننجب أطفالا كثر بينما الرحلة قصيرة جدًا والحياة برمتها لا تعني إلا أننا في محطة عبور ويجب أن نتزود حتى نصل للوجهة التي نحلم بالوصول إليها إما جنة عرضها السموات والأرض وإما نار حامية وما أدراك ما هي؟!

البهرجة التي نعيشها في هذه الأيام حب الظهور وحب الشهرة ملابس ضيقة وكعب عالٍ وعباية لا تكاد تستر ما يجب أن تستره وشعر في مُقدمة الرأس وابتسامة مسمومة ودنيا دنيا.. تباهي بما نملك وبما لا نملك وتصوير في تصوير ومباهاة زائدة عن الحد فما نملكه لا يملكه غيرنا وربما الحرية التي نعيشها لا يعيشها غيرنا وربما تفهم المقربين منِّا يجلب لنا الحسد في وقت ما وربما حتى المقربين لا يملكون سبيلا لما نريد تحقيقه، ولربما نحن لا نعرف إلى أين المضي نتبع الركب قطيع يمشي بطريقة منظمة في إحدى الصحاري الحارة نحاول أحيانا التميز عن القطيع ولكننا نبقى سائرون في ذلك القطيع. ورغم علمنا بأننا في القطيع الخطأ نظل نمشي بخطى ثابتة لعلنا نجني الثمار المرجوة والتي رسمتها المخيلة الصغيرة لعلنا نفهم ونعي ونعرف يوما أن كل ذلك القطيع ما هو إلا قطيع منحرف ويجب أن لا نتبعه بل يجب علينا أن نصنع قطيعا آخر يتجه إلى الدرب الصحيح الذي من المؤمل أن يفوز وأن لا يخسر وأن يبقى في الطليعة، أحيانًا نشتاق لأحياء بيننا هم أموات من حياتنا وجودهم كالعدم قد لا نكون من أخطأنا في حقهم وقد نكون دائما المبادرين في الصلح ولكن كبرياءهم الغبي يمنعهم من الاقتراب منِّا ليس لأننا على خطأ؛ بل العكس وتصور لهم نفسهم أنهم على حق وأن الطريق الذي يمشون فيه هو درب صحيح واثق الخطا رغم أننا مررنا بعواصف شديدة وتقلبات فلكية وما شابه ذلك ولكن لا جديد ولا حياة لمن تنادي فهم لا يسمعون وإذا جاءت لحظة الفقد الأخيرة سيندمون ولكن هل ينفع الندم وقتها؟!

كنتُ طيب القلب وكنت حنونًا لدرجة لا يصدقها الخيال، لكن بين غمضة عين كنت ذلك الوحش الهائج حاولت إيقافك، لكن عبثًا مني ذلك قررت أن تمشي باتجاه القطيع وتهرول باتجاه الدنيا القصيرة ولم تستمع لندائي وغرتك الأماني انظر ماذا حدث ولماذا نعود دائمًا لنفس الدوامة، ولماذا يقل التفاهم والاهتمام ولماذا نخذل ونخذل ونستمر بالهذيان ونحاول جاهدين تغيير فكر من حولنا وإيصالهم إلى طريق النور وإبعادهم عن العتمة التي يعيشونها فلماذا كل هذا الشتات ولماذا كل هذا الكبرياء ولماذا كل هذا النحيب فالماضي رحل والأخطاء يغفرها الرب وما نحن إلا بشر نخطئ، وخير الخطاءين التوابون.. فهيا بنا نتصالح ونعود لسابق عهدنا فكلنا سنرحل عمّا قريب.