"قرنقشوه".. عادة تراثية أم دخيلة؟

 

حمد الناصري

 

أثار تعليق الشيخ كهلان بن نبهان الخروصي مُساعد المُفتي العام للسلطنة حول احتفالية القرنقشوه الرمضانية جدلًا مُتوقعًا في وسائل التواصل الاجتماعي، وقد تفاعل الكثيرون سواء سلبًا أو إيجابًا، ووددتُ أن أطرح رأيي ككاتب ومن منظور اجتماعي وإعلامي حول تلك الضجة المُفتعلة.

فعالية القرنقشوه هي فعالية رمضانية للأطفال تجري في ليلة الخامس عشر من شهر رمضان الفضيل، وتتلخص في توزيع الأهالي في البيوت وأصحاب المحلات الحلوى على الأطفال فرحًا بصومهم وتقديرًا لصبرهم على ذلك الصَوم، ودأبَ الأهالي على إظهار أطفالهم بأجمل مَظهر في تلك المناسبة. لكننا كمسلمين يجب أن نتعرّف على أصول تلك الفعالية، وأن لا ننجرف وراء من يُريد أن يجعلها نسخة مُشوّهة من أعياد لشعوب غير مُسلمة، بحيث نجد نفسنا بعد سنوات أو عقود وقد ضيّعنا الصوم والصلاة، وأصبحت القرنقشوه هي هاجسنا الأكبر نحن وأطفالنا ويُصبح رمضان شهر القرنقشوه فقط!

وحول جواب سماحة الشيخ الدكتور كهلان الخروصي حول تلك المناسبة وقوله إنّ أصولها تعود إلى مُناسبات وعادات وثنيّة، فالرجُل- برأيي- قال عين الصواب، وكلامه مَبني على معلومة دقيقة، لكنه قال أيضًا إنّ تلك الفعالية كانت تتسم بالبساطة والهدف الديني البَحت وهو تشجيع الأطفال على الصوم، ولكنها تحوّلت إلى احتفالات مبالغ بها، لم يَفهم أكثر المشاركون فيها الغاية الأساسية المنشودة منها، وأصبحت كأنها فعالية للألعاب والترفيه فقط، وبلا أيّ هدف تعليمي، وكأنّ الاحتفال لا يخص شهر رمضان ولا علاقة له بالصوم؛ بل إنّ البعض في مدارسهم احتفل نهارًا مما أجبر أكثر الأطفال على أن يكسروا صومهم ويفطروا ليشاركوا بذلك الاحتفال!! وانبرى الكثيرون عبر وسائل التواصل الاجتماعي للتعليق على كلام الشيخ كهلان وكانت بعض الردود في مُنتهى التفاهة والسخافة، وكأنّ الرجل جاء بكلام ليُدمّر السلام العالمي ويُعكّر صَفو المجتمعات، وكأنّنا نعيش في مُجتمع لا يرتبط بالإسلام بأيّ صِلة، فهل القرنقشوه فرض أم سُنة؟ أم هيَ بدعة لا وجود لها في ديننا؟ يقول ربّ العزة سبحانه وتعالى في كتابه الكريم (وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُم عَنهُ فَانتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ العِقَابِ).

وهنا انقسمَ النَّاس إلى رأيين؛ أقلّية منهم تدعو لاستمرار الاحتفالية كونها احتفالية سنوية ترتبط بتقاليد قديمة تختص بالأطفال وهي تُدخل السعادة إلى قلوبهم، ولا ضرر منها ما دامت تشجعهم على الصوم. والرأي الثاني وهم أكثرية يُطالبون بمنعها وعدم قبولها، مُستندينَ إلى فتوى دينية، بأنها عادة لا أصول لها بالدين وتعود أصولها إلى مناسبات وثنية؛ ولا صلة لها بالتراث العُماني الأصيل.

ولكي نقف على مفهوم احتفالية القرنقشوه، بطريقة مُحايدة علينا أن نعرف أصل تلك المناسبة في بلادنا والدول الأخرى المجاورة لكي نتمكّن من تقييم مدى فائدتها أو ضررها.

ففي هذه الاحتفالية، يخرج الأطفال بعد غروب شمس يوم الرابع عشر على اعتبار دخول ليلة مُنتصف الشهر من رمضان، وهي عادة شعبية في أكثر من دولة خليجية، ففي دولة قطر تسمى "الكرنكعوه" وفي الكويت "القرقيعان" ويحلو للبعض أن يُطلق عليها قرنقعوه أو قرقاعون.

وفي السلطنة تشهد هذه الاحتفالية الرمضانية مزيدًا من الاهتمام الشعبي لكونها عادة يَستحسنها كثير من النَّاس الساكنين على بحر عُمان الكبير من ساحل قريات الزاهرة إلى ساحل مدينة صُحار العتيدة، وصولاً إلى امتداد بحر الخليج العربي، ناهيك عن أنّ هذه الاحتفالية موجودة في مدينة صُور التاريخية بعبقها البحري والمُشرفة على امتداد البحر العميق وما وراء بحار الظلمات. وتُعرف بـ"الشعبانية"؛ وتكون في مُنتصف شهر شعبان. وفي هذه الاحتفالية وفي مختلف مُسمياتها المحلية والخليجية تستعد البيوت بتجهيز بعض الحلويات التي تتناسب وحجم الاحتفالية وسعة قُدرة ربّ البيت، مما دعا البعض إلى إدخال تحديثات عليها كإدخال النقود وإدخال المكسّرات والورود، ووضعها في أساليب وطرق مُتعددة، كالهدايا بتصميمات براقة ومُلفتة.

لن نختلف مع أولئك الذين استحسنوها لكونها احتفالية شعبية، أصبحت عادة جميلة تدخل السُرور إلى الأطفال، ولا مع الذين رفضوها قطعيًا استنادًا لفتوى للشيخ الجليل، فقد قال الشيخ كهلان ما نصه "القرنقشوه، عادة جذورها وثنية"، وأكد فضيلته أنه بنفسه تأكّد من أنَّ أصُولها وثنية ونحن لا نريد أن نضيّع ديننا وثواب صيامنا في أشياء مخالفة لما أمر الله به، ونثق كل الثقة بعلمائنا ومراجعنا ومنهم سماحة الشيخ كهلان الخروصي ونحسبه من الراسخين في العِلم (وَالرَّاسِخُونَ فِي العِلمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِّن عِندِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الأَلبَابِ)، فهل بعد ذلك أن يخرج رُويبضة أو إمّعة لم يقرأ كتابًا دينيًا ولم يطّلع على تفسيرات القرآن وكتب الحديث والفقه وينتقد أحكاما وفتاوى أصدرها رجُل راسخ في العِلم كالشيخ كهلان- حفظه الله- وإذا كان هؤلاء المُنتقدون حريصين على القرنقشوه كتقليد أو كموروث، فما هو الفرق بينهم وبين من قالوا (هذا ما وجدنا عليه آباءنا)  فهل نحن نعيش عصر جاهلية جديدة؟ حيث يَتمسّك الناس بالتقاليد والعادات حتى ولو كانت مُخالفة للدين والمنطق؟!

قال أحد المُغردين عبر منصة "تويتر" مُستنكرًا: "عجبتُ في البداية من كل ذلك الهجوم على الشيخ كهلان لدرجة وصلت إلى قلة الأدب والآن اتضح معنى تشديد الشيخ حفظه الله واتضح من خلف الهجوم عليه). وتحدَّث الشيخ د. سيف الهادي مغردًا في تويتر: "ينبغي التذكير بأنَّ القرنقشوه التي وردت في لقائنا كانت تعني العادة العُمانية القديمة التي تقتصر على الصغار ما دون العاشرة، وضمن ضوابط أخلاقية عالية.. أما خروج الكبار وضرب الطبول والرقص والإزعاج فليس له علاقة بالعادة القديمة وينبغي منعه من قبل العقلاء أو السلطة".

ولا غرو سأنقل لكم تغريدة أعجبتني للمُغرد مُعاذ المشرفي، وقد ذيلها بصورة جميلة للشيخ كهلان الخروصي، فقال "ستبقى شامخًا لا يضيرك همزهم، وسيبقى للعلماء ثقلهم بقوة الله، نعم نحتاج إلى مخترع وطبيب ومدرس، لكن حاجتنا إلى علم الشريعة أيضًا أساسية، فالشرع يوجه العلوم التي نفعت وتنفع البشرية، ومن خرج عنه صنع أسلحة الدمار الشامل".

تعليق عبر الفيس بوك