من المسؤول عن حوادث الطرق؟!

 

أحمد بن خلفان الزعابي

zaabi2006@hotmail.com

 

في الغالب تقع حوادث الطرق نتيجة خطأ بشري من جانب سائقي المركبات، رغم أنَّ هناك أسبابًا أخرى قد تكون فنية أو هندسية تتعلق بالطريق ذاته، أو أسباب ميكانيكية تتعلق بالمركبة، لكن يتحمل السائق الحفاظ على سلامته وسلامة من برفقته وبقية مُستخدمي الطريق.

عندما وقع حادث ولاية محوت ترددتُ في الكتابة لأنه قبلها بيوم واحد فقط قد نشر لي مقال بعنوان "السياقة أثناء الصيام"، والذي عرّجت من خلاله على مؤشرات الخطر التي لابُد للسائق التوقف عندها، وعندما وقع حادث عقبة بوشر، كبحتُ جماح قلمي عن الكتابة احترامًا وتقديرًا لمشاعر أهالي ضحايا الحادث من مصابين ومتوفين، ولكن عندما وقع حادث حافلة الطالبات بولاية صحم- في الحقيقة- لم أستطع أن أمسك بلجام قلمي؛ حيث باغتني بالكتابة لأنَّ الحدث جلل، فكم من روحٍ بريئةٍ غادرت دنيانا بدون ذنبٍ وصعدت إلى ربها وهي صائمة ونحسبها ستدخل الجنة من باب الريان فهذا ديننا واعتقادنا لأننا مسلمون، فسلامًا لأرواح رحلت في هذا الشهر الكريم.

وعودٌ إلى مسببات الحوادث فإنَّ الجميع يعرف الأسباب الظاهرة للعيان ولكن سلطة التحقيق لدى شرطة عُمان السلطانية هي المخولة بتحديد الأسباب الفعلية لكل حادث سير وتدوينها ضمن سجلات الحوادث، ونحن كأفراد بإمكاننا مطالعة إحصاءات الحوادث المرورية عبر الموقع الإلكتروني للمركز الوطني للإحصاء والمعلومات، وسنطالع أسباب الحوادث وأنواعها وأماكن وقوعها وأعدادها وأرقامًا كثيرة تتضمن أعداد المصابين والمتوفين الذين ظلوا أرقامًا فقط، ولكنهم في الحقيقة تركوا خلفهم جروحًا دامية لدى أهاليهم.. فكم من أمٍ وكم من أبٍ مكلومين؟ وكم من أطفالٍ كانوا في انتظار والدهم في إجازة نهاية الأسبوع وأصبحوا يتامى؟ وكم من زوجة ترملت؟

صحيح أنَّ الموت حق، ولكن تقبّل خبر وفاة شخص غالٍ بسبب حادث سير صعب للغاية وحقيقة مؤلمة؛ لأنَّ آثارها لن تنتهي بدفن الجثمان فحسب.

الآن دعونا نتساءل: من المسؤول عن الحادث؟ هل السائق الذي قد يكون انشغل بغير الطريق أو الذي أخذته غفوة على حين غفلة حتى يلاقي ومن برفقته مصيرهم؟ بالطبع لا، المسؤولية لا تقع على السائق بمفرده، فلربما تفاجأ المسكين بعامل خارجي تطلب منه المناورة لتفادي حدوث اصطدام. إذن.. من المسؤول؟ هل الحكومة ممثلة في جهات الاختصاص هي المسؤولة مثلًا؟

سنجد الإجابة في الحديث الشريف الذي رواه عبدالله ابن عمر  رضي الله عنهما  قال: "سمعت رسول الله  صلى الله عليه وسلم  يقول: "كلكم راعٍ، وكلكم مسؤول عن رعيته؛ الإمام راعٍ ومسؤول عن رعيته، والرجل راعٍ في أهله ومسؤول عن رعيته، والمرأة راعية في بيت زوجها ومسؤولة عن رعيتها، والخادم راعٍ في مال سيده ومسؤول عن رعيته؛ فكلكم راعٍ ومسؤول عن رعيته". فهل عرفنا الآن من المسؤول؟!

نعم، الجميع مسؤول دون استثناء؛ فالأب والأم في المنزل مسؤولين بنصح أبنائهم ممن يحملون رخص سياقة بتوخي الحذر والالتزام بقواعد المرور، وكذلك المدرسة والجامعة وجهات العمل، وجمعيات المجتمع المدني والأندية الرياضية والثقافية والكل مسؤول نحو حث السائقين بضرورة التقيد بأنظمة المرور، ولا بد للجميع من القيام بأدوارهم في هذا الجانب.

اعلم عزيزي السائق أنك بشر وحياتك وحياة من برفقتك وبقية مستخدمي الطريق لا تقدّر بثمن، وهي غالية وهُم أمانة لديك، وأنت المسؤول عن سلامتهم وحدك لا سواك، وأعلم أنك لست آلة مُبرمجة لتقاوم النعاس وتتغلب عليه أثناء السياقة؛ لأنك إنسان، لذلك إن باغتتك نوبة نعاس فلابُد لك من التوقف في مكانٍ آمن بجانب الطريق لأخذ غفوة، حتى تستعيد نشاطك، حتى ولو كان من برفقتك على عجلة من أمره لا تعرهُ اهتمامًا لأنَّ سلامتكم أولوية والوصول متأخرين أفضل بكثير من مواصلة الطريق مع محاولة مقاومة نوبة النعاس والتي قد تذهب بك في غياهب الجب وبمن معك والله وحده العالم ما سيحدث لكم بعد ذلك.

وأنت يا من تعتقد أنك بطل وتمسك الهاتف النَّقال بيد وعجلة القيادة باليد الأخرى، ألم تعلم بأنَّ الله تعالى قال "مَّا جَعَلَ ٱللَّهُ لِرَجُلٍ مِّن قَلْبَيْنِ فِى جَوْفِهِ" (الأحزاب: 4)، فاعلم أنَّه لا يكمن لك المحافظة على تركيزك على الطريق وعين على الطريق والأخرى على شاشة الهاتف، والذهن بين هذا وذاك، واعلم أنك عندما تستعمل الهاتف أثناء السياقة فأنت تخاطر بحياتك وحياة من معك وبقية مستخدمي الطريق الآخرين.

وإن تحدثنا عن تجاوز السرعة، فاعلم عزيزي السائق أن الطريق من حق الجميع وأنك لست في حلبة سباق، ولو أنك لا تأبة لأجهزة ضبط السرعة لأنك ميسور الحال فاعلم أنَّ الله تعالى سيسألك عن مالك من أين اكتسبته وفيما أنفقته، ولو عددّنا أسباب الحوادث فلن يكفي مقال واحد بكل تأكيد.

إننا ندرك أن أسرع وسائل نقل وتبادل المعلومات أصبحت عبر منصات التواصل الاجتماعي أو عبر برامج المحادثات مثل "واتسآب" و"ماسنجر" وغيرها، وبما أنه في عصرنا الحالي تمتلك كل المؤسسات الرسمية حسابات على مواقع التواصل الاجتماعي؛ إذن فالرسائل التوعوية والتحذيرية الصادرة عن شرطة عُمان السلطانية في شأن رفع التوعية لدى السائقين تصل لأغلب فئات المجتمع، وهناك أيضًا بعض الوحدات الحكومية ومنشآت القطاع الخاص التي تتبنى قضية السلامة على الطرق تبعث بالكثير من الرسائل التوعوية بشكلٍ دوري. وما هذا المقال وغيره مما يكتب وينشر عبر الجرائد إلا جزءًا من المحتوى التوعوي الذي يتم نشره وتناقله عبر الصحف والمواقع الإلكترونية ومختلف منصات التواصل الاجتماعي، وكل ذلك يقودنا لنتيجة واحدة وهي أن المعرفة موجودة لدى الساقين ولا يوجد بيننا من يجهل قواعد السياقة الآمنة.. إذن بالتالي من الضروري جدًا تقيّد الجميع والالتزام بقواعد وأنظمة المرور لضمان سلامتهم وسلامة من برفقتهم وبقية مستخدمي الطريق الآخرين.

عزيزي السائق.. خذ العبرة من الحوادث التي وقعت ولا تجعل ما حدث يمر مرور الكرام؛ بل توقف وحاسب نفسك قبل الإقدام على أية مُغامرة أثناء السياقة، واعلم أنَّ الكثيرين كانوا يستبعدون تعرضهم لحوادث سير، لكن لا أحد يعلم ما يخبئ له القدر.. لذلك فإنَّ روحك وأرواح من برفقتك تقع ضمن مسؤوليتك.