برد الورد

 

إسماعيل بن شهاب البلوشي

برد الورد والشيف والجبول وفتك الورد وسيق حيل اليمن والمناخر ووادي بني حبيب والشريجة والمصيرة والرمان والخوخ والتوت البري والأسود والتين الشوكي والعنب والجوز والبرقوق والتفاح بكل ألوانه، وكلمات وأسماء كثيرة ومعانِ أعمق وأبعد يجمعها الجبل الأخضر، ولن يكون في مقدور أي إنسان أن يوّضح بين ليلة وضحاها كنوز الجبل الأخضر.

ففي حين أنَّ مصر العريقة أخذت اسمًا يرتبط بالوجود والحياة حينما سُميت "مصر هبة النيل"، فإنَّ الجبل الأخضر بمساحته وارتفاعه وحينما تكون درجة الحرارة أسفل منه تلامس الخمسين وتكون في قممه تلامس الثلاثينات وأقل، فبذلك يكون الجبل الأخضر قد عزل منطقة بأكملها من مستوى سطح البحر إلى الأعلى في جزء مهم من منطقة الخليج العربي بأكمله عن الحرارة، ومهد لوجود سبب رئيسي للحياة؛ حيث إن تبخر ماء البحر لا يمكن أن تتكثف ويكّون السحب في عز الصيف إلا بوجود مناخ مهيأ ومناسب لذلك، ومن قمم الأخضر تتوزع السحب لتمطر صيفاً على كل المناطق من حوله، فإما أن تشرب من المطر بشكل مباشر أو تصلها الأودية أو أن أفلاجها تتغذى من تلك المياه في باطن الأرض.

وكما أذكر دومًا أنني لم ولن اتخصص في تفصيل كل شيء أو أنني من الذين يعلمون كل شيء، إلا أنني أضع نفسي بين مستنبطٍ لفكر وبين مفّصل لذلك مما يستحق ويتناسب، وسأذكر جزئية صغيرة من الحرف التقليدية الغالية في الجبل الأخضر وأن أمنيتي دون حدود أن تأخذ من تسليط الأضواء ما تستحق وأن تكون جزءاً من صناعة السياحة في عمان بشكلٍ عام وفي الجبل الأخضر بشكلٍ خاص.

إن صناعة الورد الذي يحين قطافه هذه الأيام مسايرة للبرد الذي اشتق منه الموسم الرائع الذي يستحيل وصفه "برد الورد"، فقبل فترة مناسبة من الزمن يتم تشتيل الورد المحمدي والذي يتميز بكل ما فيه عن أي ورد في العالم والذي لا يمكن أن يكون إنتاج ماء الورد إلا منه، وبعدما تزهر الورود وتكمل 45 يومًا يبدأ موسم فتك الورد، ويجب أن يكون ذلك حتماً قبل طلوع الشمس وهي اللحظات التي يكون فيها الورد بما يتغنى به الشعراء برحيقه المنتشي برطوبة الفجر، وهنا تبدأ العملية التي سأمر عليها مروراً بتحضير أدوات الصناعة والحرف التقليدية مثل الدهجان والبرمة والصحلة والخرس، وتكون البداية بإشعال النَّار بواحد من أجود أنواع الحطب في العالم وهو حطب العِتْم، وتستمر هذه العملية بشكل يومي لمدة ساعتين تقريباً ويُحفظ بعدها بطريقةٍ خاصة ما يقرب من الثلاثة أشهر بكل عناية ودقة، وأي خطأ أو لمس مباشر لذلك الإنتاج سوف يكون على حساب ماء الورد ولن يستحق أن يحمل "ماء ورد الجبل" الذي يكون عطراً وذوقاً في القهوة والحلوى العُمانية وعلاجاً ويكون حضوره في مراسم كثيرة مثل استقبال الضيوف أو تبادل الهدايا من مختلف أطياف المجتمع العماني وخارجه.