الدبلوماسية الاقتصادية العُمانية

 

د. يوسف بن حمد البلوشي

yousufh@omaninvestgateway.com

الدبلوماسية الاقتصادية بمعناها الواسع هي القدرة على تعظيم الاستفادة من العلاقات الدولية والسياسية بين الدول، بُغية تحقيق مكاسب ومنافع ومصالح اقتصادية ملموسة، تُترجم على أرض الواقع، ويستشعرها الجميع؛ سواء أكان المواطن البسيط، أو رجل الأعمال، أو أفراد وأسر المُجتمع، وتُدلل عليها مؤشرات ومُشاهدات من قبيل تدفقات فعلية للاستثمارات والعملة الصعبة، يُرافقها زيادة مُطردة في عدد الزوار والسياح، فضلًا عن الدخول في شراكات استراتيجية، وبما ينعكس إيجابًا على زيادة الناتج المحلي الإجمالي، وتوفير مزيد من فُرص العمل.

غير ذلك يبقى في إطار الدبلوماسية التقليدية، القائمة على توقيع اتفاقيات تفاهم ومُذكرات تعاون، وزيارات وفود ولقاءات ومُشاورات، وغير ذلك من مُمارسات لا تخدم حاجات التنمية المحلية، التي تستوجب بالأصل جذب العديد من العناصر المفقودة في معادلة التنمية العُمانية، كالمزيد من رؤوس الأموال، وأساليب التكنولوجيا والمعرفة، بهدف توسيع القاعدة الإنتاجية وفتح أسواق جديدة.

وبالنسبة للدبلوماسية الاقتصادية العُمانية، فإن هُناك ساحات تنتظرها، فبلد مثل اليمن جريح الآن، وهو حتمًا لديه حاجاته مُتنوعة، بينما ستبدأ جهود إعادة إعمار اليمن السعيد قريبًا، وهُناك أيضًا الجمهورية الإسلامية الإيرانية الجار المتنوع والذي سيظل جارًا، إضافة إلى الشقيقة الكُبرى المملكة العربية السعودية، الدولة المحورية والاقتصاد الأضخم في المنطقة، ناهيك عن أحداث مضت في "إكسبو 2021"، وأحداث مُقبلة، كمونديال قطر 2022.  

الدبلوماسية الاقتصادية عندما تقوم بدورها، فإنها حتمًا ستعمل على تعظيم الاستفادة من التغيرات المُتسارعة، الناجمة عن مُختلف الظروف الإيجابية منها، وتلك المُرتبطة بالأزمات والصدمات العالمية، الناجمة عن الأوبئة والحروب والأجواء المناخية.

وهُنا نذكر أحداث لبنان الجميل، وسوريا مهد الحضارات، وصاحبة أقدم عاصمة في التاريخ "دمشق"؛ حيث يبحث مُستثمرو هاتين الدولتين عن ملاذ آمن لاستثماراتهم، فضلًا عن الحرب الروسية- الأوكرانية، وما تسببته بخروج استثمارات من هاتين الدولتين تُقدر بمليارات الدولارات، وكذلك استثمارات رجال الأعمال والمال الروس والأوكرانيين أنفسهم.. فالكل يبحث عن ملاذات آمنة وبيئة أعمال مُحفزة. والسؤال الذي يطرح نفسه، كم كان حصاد الدبلوماسية العُمانية من كل ذلك؟

اغتنام واقتناص الفُرص، التي تخلقها المُتغيرات المُتسارعة، يحتاج إلى خبرات وكفاءات، تمتلك الجرأة في اتخاذ قرارات حاسمة، وتتمتع بالقدرة على الاستشراف والتمهيد بوقت كاف، والأخذ بأسباب النجاح، من خلال دراسة الأسواق المُستهدفة، والقواسم المُشتركة بينها وبين الاقتصاد العُماني. وهنا يتوجب علينا أن نحدد بشكل دقيق ما هي الأشياء التي تحتاجها عمان، والعكس صحيح.. فهذه قضايا لا يتم التعامل معها بالتمني، وإنما بتوفير أرقام وإحصاءات ودراسة تأثيرات ذلك على رجال الأعمال والمُتعاملين والفوائد والمكاسب المُرتقبة.

هُناك من يتفق على أن ملف الدبلوماسية الاقتصادية ليس مقتصرا على وزارة الخارجية فقط، فهو كغيره من ملفات التنمية، بحاجة إلى جهود مُشتركة وأدوار مُنسقة بين جميع المُتعاملين، وعلى رأسهم غرفة تجارة وصناعة عُمان، وشركات القطاع الخاص، فهم الأقدر على تحقيق المكاسب والمنافع المذكورة للاقتصاد الوطني، فما يزال صوتهم "خافتا"، وأدوارهم تقليدية ومحدودة.. فعلى قدر أهل العزم تأتى العزائم.

يتوجب أن يتم الاتفاق، على أننا في سلطنة عُمان وكذلك دول العالم في طريق التعافي، وأن هُناك فائضًا على المُستوى العالمي في السيولة والاستثمارات. والكل يبحث عن ملاذات آمنة، بُغية الاستقرار وتحقيق الأرباح، فدول العالم قاطبة، تتنافس على جذب الاستثمارات العالمية، ليس فقط لأنها توفر رؤوس أموال، ولكن لما يُصاحبها من توليفة من المعرفة والخبرات وأساليب العمل والقدرة على فتح الأسواق. وبالطبع، سلطنة عُمان تُعاني من نقص في السيولة والاستثمارات، فهي في مضمار السباق في عالم مُتسارع الأحداث، والتنافس مُحتدم، والمعركة حامية الوطيس، للظفر بجزء من الاستثمارات الدولية، والدخول في شراكات استراتيجية. ويبقى السؤال المهم هو: هل تقوم الدبلوماسية العُمانية بما يكفي لضمان الحصول على نصيبها من الحصاد العالمي؟ وهل هُناك توزيع وانسجام في الأدوار لتحقيق ذلك؟

إن من بين أعظم مُكتسبات المرحلة المُنصرمة هو الإرث الدبلوماسي، والمكانة المرموقة لسلطنة عُمان بين الأمم، وفي سياق رؤية "عُمان 2040" يظهر جليًا الزخم الكبير، والتركيز على الاندماج والتعاون الدولي، كتوجه استراتيجي لتحقيق أهدافها. الأمر يحتاج إلى تحول صريح في دور الدبلوماسية، وبُعد دولي فاعل مع المُتعاملين من العالم الخارجي، فالعمل الدبلوماسي عمومًا يمر بمرحلة مُهمة، نتيجة للعولمة وثورة تكنولوجيا المعلومات والاتصالات. ويتطلب هذا التطور التركيز على الدبلوماسية الاقتصادية، والتي ليس لنا منها إلا أسمها في الوقت الراهن، خصوصًا أن لديها مساحات واسعة للتطور، بناء على الديناميكيات الجديدة. فالدبلوماسية العُمانية تستطيع أن تُفعّل منظومة العلاقات، وعناصر التشبيك الدبلوماسي والسياسي والاقتصادي، وجذب العناصر المفقودة في خلطة التنمية العُمانية بطريقة مدروسة.

كُلي يقين بأن القامات الدبلوماسية العُمانية، التي يُجلها ويحترمها الجميع، قادرة على تحقيق المأمول.