محطة القطار

 

سارة بنت علي البريكية

sara_albreiki@hotmail.com

 

كان الموت يطوف في الجوار يحلق في الأفق لا يفكر في فريسة جديدة فالقائمة مكتوبة وكل شيء واضح بالنسبة إليه ولكننا نحن الذين لا نعلم ولا ندري والغطاء غطاء لا نستطيع إزاحته إلا عندما يختارنا الموت عندها لن نستطيع أن نتكلم لأننا وقتها سنكون في عالم آخر.

"الحمد لله الذي أحيانا بعد ما أماتنا وإليه النشور" إذن نحن نموت كل يوم ويقال إنَّ النوم هو الموت الأصغر فما الذي تبقى؟! إذن نحن في دوامة عجيبة ولكن هيهات هيهات فهذا الإنسان الضعيف لا يتعظ ولا يستطيع ذلك ولكنه يُمني ويُمني ويُمني نفسه ليس بالخلود ولكن بالغفران والقبول الحسن! كيف لنا أن نتمنى الأماني ونحن لا نعمل على تحقيقها كيف لنا أن لا نسعى لدرب حياتنا الأبدية وكيف لنا أن نواجه أيامنا وأحاسيس الفراق تعتصرنا وصوت خبر مفزع لا يكاد يصدق يرن في المسامع وفي القلوب والعقول وشيء غير متوقع لكنه حدث.

فكرة الموت غريبة.. بعيدة.. قريبة.. نحن لا نعلم كم تبقى من أعمارنا ولا نعلم كيف سيتلقى الآخرون خبر الرحيل!

فجأة وبدون سابق إنذار وبلمح البصر نصبح مضطرين للتعايش مع الحدث الجديد بدون رغبة منِّا ولكنه القدر ومشيئة الله قبل كل شيء مع مرور الأيام وعندما تفقد شخصا مقربا يبقى مقربا وتبقى في ذهول وهول الصدمة الأولى لا يُفارقك ولكنك تصبر ولعلَّ صبرك يكسبك أجرا من الله حيث قال الله تعالى: "إِنَّهُ مَنْ يَتَّقِ وَيَصْبِرْ فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِين" [يوسف: 90].

هناك أجر وأجر لا نعلم مقداره وعدده أجر كتبه الله لك أيها الصابر على ما حلَّ بك فكم ربنا عظيم رغم ما يعترينا من أحزان إلا أنه معنا دائما.

في الآونة الأخيرة كثر الغياب وكلما تقدم بنا العمر سنفقد أكثر وسنرى من نحبهم يرحلون للمثوى الأخير إلى حين يأتينا الموعد فهذه الحياة كمحطة القطار تركب فيه مولودا وتغادر في أي لحظة القطار وينتهي الركب بك وتذهب إلى حيث كلنا ذاهبون، لكنها ليست النهاية وإنما بداية كل شيء لذا اعمل وجد واجتهد لتنال ما تحب وما وعدت به لكن اسعى وجاهد نفسك وتفوق وكن في المقدمة وانتظر شهادة التكريم والجوائز الكبيرة التي كنت تزرعها فهناك ستحصدها ولا تنسى أن هذا القطار كله ومن عليه زائل الكل سيترك القطار في وقت ما ولن يكون هناك أثر له وإنما ما قدمناه سيعود ما تعبنا ودرسنا وذاكرنا له جيدا سيعود.

أتساءل أحياناً لماذا لا يتم تنشئة الجيل بطريقة يكسب بها آخرته ودنياه معاً لماذا نكثر من الدنيا ونحن بحاجة للتزود أكثر في دار الخلود؟ لماذا لا تتم كتابة مناهج التعليم بشكل أوسع وأشمل شيء يدركه الطفل ويتربى عليه ويعمل به؟ ليس كافياً ما نتعلمه في المدارس وإنما بحاجة أكثر للتعمق في الدين وفي كلام الله عزَّ وجلَّ والأحاديث القدسية وسيرة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم من خلال التعايش منذ الصغر مع القرآن الكريم والأحاديث الشريفة لا أن يكبر الواحد منِّا وهو لا يعرف كيف يصلي أو لا يكون به أي وازع يجعله يصلي، فلو كانت التنشئة صحيحة لكان الجيل سليماً، إنني اتألم في داخلي عندما أشاهد فتاة في عمر الزهور لا تصلي وشاباً غرته الدنيا وأصبح يخطط لمستقبله وهو لا يُصلي قس على ذلك الكثير والكثير فنحن لا نملك من الوقت الكثير القطار يسير وسيقف في أي لحظة.

لذا فلنتزود وخير الزاد التقوى.