"أنت تحكم باسم أمريكا"

 

وليد بن سيف الزيدي

فكرة العنوان لمقال اليوم تعود إلى زمن دخول الأمريكان إلى العراق في العام 2003 واحتلالها له، ومن ثم محاكمة رئيسها الراحل صدام حسين- رحمه الله– عندما قال للقاضي في إحدى جلسات المحاكمة "أنت تحكم باسم أمريكا وليس باسم العراق". ويُفهم من هذا القول أنه كان يستنكر على القاضي بسماحه للأمريكان في التدخل في شؤون العراق والعراقيين.

ومن خلال ربط الكاتب هذه العبارة التي قيلت في الزمن الماضي بأحداث الحرب الروسية الأوكرانية الواقعة في هذه الأيام، جاءت فكرة هذا المقال والذي يهدف إلى إيصال فكرة يمكن الاستفادة منها في جوانب مختلفة من حياة الأفراد والمجتمعات والدول والشعوب ومنها الجوانب السياسية والاجتماعية على سبيل المثال؛ حيث يظهر فيها التدخل في شؤون الآخرين بشكل واضح وصريح من قِبل البعض وما يترتب على ذلك التدخل من آثار لا تُحمد عقباها على المدى القريب والبعيد.

وهنا سأطرح بعض التساؤلات والأمثلة من واقع الحياة في بعض جوانبها؛ لتوضيح خطورة التدخل في شؤون الغير:

ألم تكن أوكرانيا في السابق جزءًا من روسيا اليوم في البقعة الجغرافية؟ أليس هناك ما يجمع بين البلدين في الدم والتاريخ والجغرافيا والثقافة واللغة على الرغم من انفصالهما كدول مستقلة اليوم؟ أيهما أقرب بذلك إلى أوكرانيا من حيث المكان والزمان، الروس أم الأمريكان؟ إذن لماذا التدخل الأمريكي في الشأن الأوكراني الروسي ذي القواسم المشتركة بينهما؟ هل هذا التدخل من أجل مصلحة وعيون الأوكرانيين أم لمصالح أمريكية وغربية؟ ألا يمكن الاستفادة من تجربة التدخل الأمريكي في الشأن العراقي سابقًا والذي نرى ونسمع آثاره السيئة حتى اليوم؟ أليس ما يسمى بالربيع العربي (الثورات العربية) مثال آخر يمكن الاستفادة منه من حيث الآثار السيئة التي ترتبت على ذلك التدخل في شؤون الآخرين؟ أليست هناك تجارب أخرى للأمريكان أو غيرهم في التدخل في شؤون الدول أو الشعوب الأخرى وآثار ذلك التدخل على المستوى الإقليمي والدولي؟ إذن لماذا لا يتم الاستفادة من الدرس؟

أليس بذلك تكون أوكرانيا اليوم تحكم باسم أمريكا عندما تسمح للأمريكان بالتدخل في شؤونها الداخلية كما حصل في المحاكمة العراقية والربيع العربي وغيرها من الأحداث في العقود الماضية؟

هل أنت تتحدث عن السياسية؟ ليس كذلك يا أخي العزيز. وإنما أذكر هذه الأمثلة من الواقع لإيصال فكرة المقال إليك؛ حتى تعكسها على واقع حياتك بجوانبها العديدة.

طيب.. سأذكر لك مثالًا من الجانب الاجتماعي حتى تصبح الفكرة أكثر وضوحًا. فمثلًا عندما يقع خلاف بين الزوجين أو يصوّر بأنه خلاف، وتبدأ أطراف أخرى بالتدخل بدعوى الحرص والخوف على مصلحة أحد الأطراف المتنازعة، وهو في الأصل لم يتطرق إلى أساس الخلاف. حتى بذلك تكون لديه الفرصة والحجة في التدخل في شؤون قد تم بناؤها والتعاهد عليها بين الطرفين المتنازعين في فترة سابقة، لتصبح آثار ذلك التدخل باقية في النفس والفكر والحال إلى أمد ليس بقريب. وهو بذلك يكون أيضًا قد حكم باسم أمريكا.

هل أصبحت الفكرة الآن أكثر وضوحًا من السابق؟

نعم.. هذه بعض الأمثلة التي من خلالها تستطيع يا أخي العزيز أن تتصور بعض المواقف أو التجارب المحيطة بك في جوانب حياتك المختلفة، ثم تسقط عليها عبارة " أنت تحكم باسم أمريكا" وذلك إشارة منك إلى رفض هذا التدخل في شؤون الآخرين الذي جاء بدعوى بغية المصلحة والخير، ولكن في الأصل يظهر عكس ذلك بدليل ما يترتب على ذلك التدخل من آثار ونتائج غير جيدة.

وبعد ذلك فهل يمكنك يا أخي العزيز أن تضيف هذا المقال إلى مدرسة حياتك وتتحدث به مع من يُحيط بك من القريب والبعيد ليتحقق بذلك هدف ما كُتب هنا؟ هل ما زلت تعتقد أن هذا المقال سياسي؟

والله الموفق.

تعليق عبر الفيس بوك