رمضان وقيمة الصبر

حاتم الطائي

هلَّ علينا هلال شهر رمضان المُبارك وقد تحققت الكثير من البشريات على المُستويات كافة، فبعد أكثر من عامين من تفشي وباء كورونا "كوفيد-19"، انقشعت الغمة وتراجع المنحنى الوبائي وانخفضت لمستويات دنيا معدلات المنومين في المستشفيات، وزادت بنسبة كبيرة للغاية أعداد الحاصلين على اللقاح المضاد للمرض، كما ارتفعت أسعار النَّفط ونمت معها إيرادات الدولة من هذا الخام الاستراتيجي، وتحققت الفوائض المالية وارتفع التصنيف الائتماني لاقتصادنا الوطني، إلى جانب الكثير من الأخبار السارة الأخرى.

وشهر رمضان هو شهر الصيام والصبر على تحمل الجوع والعطش لساعات طويلة تمتد من بعد آذان الفجر وحتى غروب الشمس، ولذا ارتبط الصوم بقيمة الصبر والتحمل، ليكون المُسلم قويًا معافى في بدنه، فضلا عن رمزية هذا الصبر في حياتنا اليومية والمعيشية؛ فالتعاليم الدينية تحثنا دائمًا على الصبر والاحتساب، خاصة في أوقات الشدائد، ولنا أن نتذكر قصص الأولين سواء المتقدمين منهم أو المتأخرين، ولننظر أيضًا في تاريخ الأمم والشعوب، التي صبرت على تحدياتها وتحملت شتى صنوف الضغط والمُعاناة، كيف حصدت ثمار ذلك مكاسب وعوائد. ولعلَّ قصة نبي الله يوسف- عليه السلام- تعد واحدة من أبرز أمثلة الصبر؛ سواء الصبر على ظلم إخوة يوسف، أو ظلم من باعه بثمن بخسِ، أو ظلم امرأة العزيز، كما تجلى الصبر كذلك في نصيحة النبي يوسف لعزيز مصر بتخزين حصاد سبع سنين لكي يكون لهم زادًا في السبع التالية التي شهدت جدبًا وجفافًا عنيفًا، وهذا ما يعكس صبر أهل مصر على هذا البلاء.

وهنا في عُمان، تمتع العمانيون بالصبر في مواجهة الظروف التي فرضتها الجائحة وتقلبات أسعار النفط وانخفاضه لمستويات متدنية، ما دفع الحكومة الرشيدة لاتخاذ إجراءات تقشفية من شأنها تقليص الإنفاق العام وترشيده بهدف تقليل العجز الناتج عن تراجع الإيرادات، فضلا عن ترشيد الاقتراض، واللجوء إلى الديون في حالات الضرورة القصوى، وهو ما أسهم في تقليل حدة الأزمة على اقتصادنا. ولله الحمد ومع عودة ارتفاع أسعار النفط وزيادة جهود الحكومة لتعزيز التنويع الاقتصادي وتوفير موارد مالية غير نفطية، بدأ اقتصادنا يتنفس الصعداء، ويتحول العجز إلى فائض مالي، وعاد مؤشر النمو الاقتصادي للصعود مرة أخرى، وانطلقت المشاريع التنموية والخدمية في مختلف المحافظات. كل ذلك دعا مؤسسة "ستاندرد آند بورز" لرفع التصنيف الائتماني للسلطنة والإشادة بما تحقق من إجراءات ساهمت في خفض العجز المالي وتقليل مخاطر المديونية العامة.

إننا ونحن نستقبل أوَّل أيام شهر رمضان الفضيل، علينا جميعًا أن نتذكر قيمة الصبر، ليس فقط في أمورنا الدينية؛ بل في شتى مجالات الحياة، فالدين جاء ليُنظم لنا حياتنا ويحثنا على العمل والاجتهاد والانطلاق نحو آفاق أرحب من التنمية والرخاء، الأمر الذي يفرض على كل فردٍ في هذا البلد المعطاء أن يجد ويجتهد في الصيام وغير الصيام، من أجل رفعة الوطن وترسيخ مكانته، والحفاظ على ديمومة النمو بما يُلبي كافة التطلعات ويحقق جميع الأهداف المنشودة... وكل عام والجميع في خيرٍ ومسرةٍ.