أنقرة - رويترز
قال مفاوضون أوكرانيون اليوم الثلاثاء إن كييف اقترحت تبني وضع محايد مقابل ضمانات أمنية في أحدث جولة من المحادثات مع روسيا، مما يعني أنها لن تنضم إلى تحالفات عسكرية أو تستضيف قواعد عسكرية.
وقال المفاوضون للصحفيين في إسطنبول إن المقترحات ستشمل أيضا فترة مشاورات مدتها 15 عاما بشأن وضع شبه جزيرة القرم التي ضمتها روسيا ويمكن أن تدخل حيز التنفيذ فقط في حالة وقف إطلاق النار الكامل.
التقى مفاوضون من أوكرانيا وروسيا في تركيا اليوم الثلاثاء لإجراء أول محادثات مباشرة منذ قرابة ثلاثة أسابيع؛ حيث تسعى أوكرانيا إلى وقف لإطلاق النار دون تقديم أي تنازلات بشأن الأرض أو السيادة في الوقت الذي تمكنت فيه قواتها من صد القوات الروسية عن كييف.
واستقبل الرئيس التركي رجب طيب أردوغان وفدي الجانبين في أحد القصور بإسطنبول وقال إن "وقف هذه المأساة" متروك لهما، وذكر التلفزيون الأوكراني أن المحادثات بدأت "باستقبال فاتر (من الجانبين)" وبدون مصافحة.
ولا يوجد لدى أوكرانيا أو الولايات المتحدة أمل يذكر لتحقيق انفراجة عاجلة، لكن استئناف المحادثات المباشرة يعد خطوة أولى مهمة نحو التوصل إلى وقف لإطلاق النار في الغزو الروسي الذي يتسبب في معاناة مروعة للمدنيين الذين تقطعت بهم السبل في المدن المحاصرة رغم تعثره على معظم الجبهات.
وبعد أكثر من شهر على اندلاع الحرب، وهي أكبر هجوم على دولة أوروبية منذ الحرب العالمية الثانية، فر أكثر من 3.8 مليون شخص إلى الخارج، وقتل وجرح الآلاف وتضرر الاقتصاد الروسي جراء العقوبات.
وفي مدينة ماريوبول الساحلية الجنوبية التي تحاصرها القوات الروسية منذ الأيام الأولى للحرب، قُتل ما يقرب من خمسة آلاف شخص من بينهم نحو 210 أطفال وفقا لأرقام رئيس البلدية التي لا يمكن التحقق منها.
وفي أجزاء من المدينة التي باتت الآن تحت سيطرة القوات الروسية، بدا ما يظهر من السكان وهم قلة أشبه بالأشباح بين المباني السكنية المتفحمة والمنهارة جراء القصف. وكانت هناك طفلة صغيرة ترتدي معطفا ورديا وتضع على رأسها قبعة صفراء تلهو بعصا في الأنقاض وسط دوي انفجارات على مسافة بعيدة، وظهر شخص يجمع ما يتسنى له من بين الأنقاض داخل عربة يد.
ولكن في أماكن أخرى، تمكنت القوات الأوكرانية من تحقيق انتصارات في الأيام الأخيرة واستعادت مناطق من القوات الروسية على ضواحي كييف وفي الشمال الشرقي وفي الجنوب مع تعثر الغزو الروسي في مواجهة مقاومة شرسة.
وظهرت دبابات محترقة وقطع من ملابس عسكرية روسية في منطقة استعادت القوات الأوكرانية السيطرة عليها شمال شرقي العاصمة على طريق باتجاه قرية روسانيف، وكانت المنازل المجاورة مدمرة وظهر أوكراني يرتدي الزي العسكري وهو يحفر في المكان لدفن رفات متفحمة لجندي روسي.
وقال وزير الخارجية الأوكراني دميترو كوليبا عن المحادثات في تركيا "نحن لا نساوم على الأفراد أو الأرض أو السيادة".
وقال في كلمة بثها التلفزيون الرسمي "سيتمثل الحد الأدنى من برنامج (المفاوضات) في قضايا إنسانية والحد الأقصى في التوصل إلى اتفاق على وقف إطلاق النار".
وقال وزير الدفاع الروسي سيرجي شويجو إن روسيا أتمت إلى حد كبير المرحلة الأولى من هجومها العسكري وقوضت القدرات العسكرية لأوكرانيا وستركز الآن على المناطق التي يطالب بها الانفصاليون في الجنوب الشرقي.
وأصدرت موسكو إعلانا مماثلا في أواخر الأسبوع الماضي فسره الغرب على أنه إشارة إلى تخليها عن الأهداف الأولية المتمثلة في الإطاحة بحكومة كييف بعد فشلها في الاستيلاء على العاصمة.
وتصف روسيا مهمتها بأنها "عملية خاصة" لنزع سلاح أوكرانيا وتخليصها من "النازيين". ويقول الغرب إن الغزو الروسي غير مبرر.
وقال مسؤول كبير في وزارة الخارجية الأمريكية إن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ليس مستعدا على ما يبدو لتقديم تنازلات لإنهاء الحرب.
وقال المتحدث باسم الكرملين دميتري بيسكوف إن المحادثات لم تسفر حتى الآن عن أي تقدم ملموس لكن من المهم أن تتواصل وجها لوجه.
وكان الملياردير الروسي رومان أبراموفيتش في قصر دولمة بهجة حيث جرت المحادثات على الرغم من أنه لم يتضح هو الدور الذي يقوم به. وحاول الملياردير العمل كوسيط وشمل ذلك القيام برحلة في الأيام الأولى من الصراع عندما قيل إنه وعدة مفاوضين أوكرانيين أصيبوا بوعكة صحية.
* صفارات الإنذار
دوَت صفارات الإنذار من الغارات الجوية قبل الفجر في أنحاء أوكرانيا وذلك في أحدث مؤشر على اعتماد روسيا المتزايد على الضربات طويلة المدى. وقالت وزارة الدفاع الروسية اليوم الثلاثاء إنها قصفت خلال الليل مستودع وقود ضخما في منطقة ريفن التي تقع في غرب البلاد البعيد عن أي معارك.
وقالت هيئة الأركان العامة للجيش الأوكراني "يواصل العدو بشكل خسيس تنفيذ ضربات بالصواريخ والقنابل ليدمر بالكامل البنية التحتية والمناطق السكنية في المدن الأوكرانية". ومضى قائلا إن الروس "يركزون على منشآت تخزين الوقود من أجل تعقيد الأوضاع اللوجستية وخلق أوضاع أزمة إنسانية".
وفي كلمة ألقاها ليل الاثنين، كرر الرئيس الأوكراني فولودومير زيلينسكي نداءاته للغرب للمضي إلى مدى أبعد في معاقبة موسكو على غزو بلاده.
وقال "علينا نحن، الذين على قيد الحياة، أن ننتظر. ألا يستحق كل شيء فعله الجيش الروسي إلى الآن حظرا نفطيا؟".
وفي حين أن الدول الغربية فرضت عقوبات قاسية على موسكو فإن أوروبا تعتمد بشكل كبير على واردات الطاقة من روسيا وتتجنب حتى الآن العمل لوقفها.
وفي المدن الأوكرانية المحاصرة، حيث الأوضاع بائسة، سدت الضربات الروسية طرق الرحيل أمام المدنيين. وقال رئيس بلدية ماريوبول إن نحو 160 ألف شخص ما زالوا محتجزين في المدينة التي كان عدد سكانها في وقت سابق 400 ألف نسمة.
وقالت نتاليا، العاملة بمتجر بقالة من ماريوبول والتي أفصحت عن اسمها الأول فقط، لرويترز بعد وصولها إلى زابوريجيا القريبة "ليس هناك طعام للأطفال، خاصة الرضع. النساء يضعن أطفالهن في الأقبية لأنهن لا يجدن أماكن يذهبن إليها للولادة، جميع مستشفيات التوليد دُمرت".
ومنذ إجراء آخر محادثات مباشرة في العاشر من مارس آذار، عندما قال وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف إنه لا يوجد وقف لإطلاق النار على جدول الأعمال، تحولت قوة الدفع في ميدان القتال لمصلحة أوكرانيا.
وقال رئيس بلدية كييف فيتالي كليتشكو "دمرنا أسطورة الجيش الروسي الذي لا يُقهر. نقاوم عدوان أحد أقوى الجيوش في العالم ونجحنا في جعلهم يغيرون أهدافهم".
وعقد الجانبان محادثات عبر رابط فيديو في الأسابيع الماضية وناقش كلاهما على الملأ صيغة ربما تقبل أوكرانيا بموجبها نوعا من الحياد".
لكن أيا من الجانبين لم يتزحزح عن موقفه فيما يتعلق بمطالب روسيا الإقليمية، بما في ذلك شبه جزيرة القرم، التي ضمتها روسيا في عام 2014 والأراضي الشرقية التي تعرف باسم دونباس، والتي تطالب موسكو كييف بأن تتنازل عنها لانفصاليين موالين لروسيا.