وحيدًا في صالة السينما!

 

سالم بن نجيم البادي

كنت وحيدًا في صالة السينما انظر إلى المقاعد الخاوية؛ حيث لا يوجد أحدٌ غيري وقد خالجني الشعور بالزهو، لقد تمَّ تشغيل الفيلم لي وحدي، لكن سرعان ما اختفى هذا الشعور ليحل محله إحساس الوحشة والأسى؛ فقد يكون سبب غياب الجمهور هو الفيلم نفسه؛ لأنه لم يكن من الأفلام الجاذبة، أو أن وقت عرضه غير مناسب لهم وقد لازمتني عادة الذهاب إلى السينما لحضور العرض الأخير في الليل، وربما يكون سبب غياب الجمهور هو فقدان الوعي بأهمية دور السينما الثقافي والتنويري والاقتصادي والسياسي والاجتماعي والآيدلوجي والترفيهي.

وخير شاهد على دور السينما البالغ الأهمية، ما قامت به هوليود في نشر الثقافة الأمريكية وترسيخ القيم الأمريكية؛ بل والهيمنة الأمريكية ورسم صورة الرجل الأمريكي الذي يقهر الأعداء بالضربة القاضية، وهو المُنتصر دومًا، وهو حامي القيم الأمريكية النبيلةـ والمدافع عن حقوق الإنسان ضد البرابرة المتوحشين من وجهة نظر أمريكية (طبعًا)، ومن هؤلاء للأسف كل من هو عربي ومسلم!

وأحياناً يطال التشويه وإن كان بصورة أقل بشاعة المعسكر الشيوعي بقيادة الاتحاد السوفيتي السابق أيام الحرب الباردة والهنود الحمر (السكان الأصليين لأمريكا) وقد يتم تشويه صورة الأفارقة السود كذلك. لا أمجّد السينما الأمريكية ولا اتفق مع كل أهدافها، وليس كل الأفلام الأمريكية مؤدلجة؛ بل إن أكثرها أفلامًا راقية ومشوقة وممتعة وفيها كل عناصر التشويق والإبهار، وتسافر بك إلى آفاق رحبة من الخيال المجنح بعيدًا عن الواقع المعيش، ومع توفر الإمكانيات المذهلة ورأس المال في الدول المتقدمة يتم صناعة أفلام سينمائية ضخمة تجذب ملايين البشر عبر العالم للمشاهدة وبالتالي تحقق أرباحا مالية هائلة.

والحديث عن السينما يقودنا للحديث عن واقع صناعة السينما في بلدنا، أين هي خلال سنوات التطور والتحديث؟

أعتقد أن واقعها مؤلم ومؤسف، حتى بات الحديث عن صناعة السينما ترفًا إن لم نقل مُحرّمًا، وسوف ينبري من اعتدت على تسميتهم بـ"حراس الفضيلة" لرفض واستنكار المطالبة بصناعة أفلام سينمائية! مع ترديد المعزوفة المعروفة العيب والحرام والخشية على العادات والتقاليد من أن تمس، ولا أقصد هنا بالضرورة الأفلام التاريخية، وذلك جيد ومطلوب مع وجود التاريخ العماني الغني ولا الاقتصار على التاريخ الحربي فقط، وإنما أيضا الموروث الثقافي الشعبي من القصص والحكايات، وكذلك الأفلام المودرن (المعاصرة) التي تعالج قضايا اجتماعية معاصرة ومشكلات الواقع والشارع العماني ويتساءل ضحي: أين الجمعية العمانية للسينما والمسرح؟ وأين الأفلام القصيرة التي تنتجها؟ هل هي للنخبة فقط أم للمشاركة في المهرجانات؟ وضحي لا يدري، لكنه يحلم أن يرى صناعة سينمائية مزدهرة في البلد وأن تنتهي إلى غير رجعة النظرة التقليدية للسينما، فلم تعد السينما مكانًا لعرض المشاهد الخادشة للحياء. وقد أخبرني أحدهم أنه يذهب متخفيًا إلى السينما حتى لا يعرفه أحد وهو يغطي وجهه بطرف عمامته!

يمكن إنتاج أفلام رصينة وهادفة وراقية وتحمل رسالة سامية، ويعلم ضحي أن عقبات كثيرة جدًا تواجه صناعة السينما في بلدنا، ولعل رؤية "عُمان 2040" لم تنس الشأن الثقافي والفكري ومنه صناعة السينما بكل تأكيد، وهذا أملنا الوحيد!