حيدر أباد.. مدينة العِلم والسياحة واللؤلؤ

زار المدينة: د. سعيد بن سليمان العيسائي **

ليس غريبًا أن تُوصف حيدرأباد بأنها مدينة العِلم والسياحة واللؤلؤ؛ ذلك أن معظم الأسر والسلالات التي حكمتها كانت مغرمة بالعمارة والبناء فأثمر ذلك الكثير من القلاع والقصور والمتاحف والجامعات والمكتبات والمساجد والقباب والأضرحة.

وكان للمخطوطات والطباعة منذ أمد بعيد شأن عظيم. وانتشرت البحيرات والمنتزهات، وانتعشت التجارة والأسواق خلال قرون من الزمان بشكل لافت وملحوظ الأمر الذي جلب إليها العديد من الجاليات العربية والخليجية. ويبلغ تعداد حيدرأباد 8 ملايين نسمة تقريبًا، يشكّل المسلمون فيها نسبة كبيرة.

لهذه الأسباب وغيرها قمنا بهذا التحقيق لتلمس هذه الجوانب والكشف عن بعضها للقارئ الكريم.

وعلى الزائر لحيدرأباد أن يطلع على تاريخ الحكم الإسلامي للهند بصفة عامة، وأن يقرأ عن السلالات الحاكمة المسلمة في حيدرأباد بصفة خاصة لأن ذلك سوف يساعد في معرفة تاريخ وتطور المعالم الثقافية والأثرية والسياحية بها.

حكمت الهند مجموعة من السلالات والأسر أهمها وأشهرها المغول الذين قدموا من أواسط آسيا وحكموا الهند قرابة 300 عام من (1426-1857)، وبدأ حكمهم في أحبرا ثم لاهور ثم دلهي التي كانت عاصمة لحكمهم لأمد طويل امتد فيه نفوذهم إلى شبه القارة الهندية بما فيها الباكستان والبنغال إضافة إلى أفغانستان. وسبق المغول في حكم الهند عدد من الأسر والسلالات كاللودهيين والخلجيين وآل تفلق.

وخضعت حيدرأباد لحكم المغول لفترة بسيطة مع بدايات حكم السلالة الآصفية لهذه المدينة التي ما لبثت أن استقلت عنهم.

وقد تعاقب على حكمها مجموعة من السلالات أولها البهمنيون، وكانت دولتهم تسمى (السلطنة البهمنية) أو (المملكة البهمنية).

حكمت هذه السلالة معظم مناطق هضبة الدكن من (1347 – 1527) ميلادية، وهم سلالة من السلاطين المسلمين الأفغان، كانت تتبع للدولة التغلقية في سلطنة دلهي.

أما السلالة الثانية فهي سلالة (قطب شاه) أو الأسرة الآصفية التي قامت على أنقاض الدولة البهمنية وأسسها قلي قطب شاه الذي حكم من 1512-1543 الذي كان جده آصف خان ضابطًا تركيًا عند المنطقة الشرقية للبهمن.

وتعاقب على حكم حيدرأباد سبعة من الملوك من هذه الأسرة من (1518-1687).

أما ثالث هذه السلالات فهي سلالة آصف جاهي مير قمر الدين الذي استطاع الاستقلال من المغول عام 1742، وتم نقل العاصمة إلى حيدرأباد.

قلعة الحكم والملوك:

انطلقت بنا السيارة من فندق (ماريوت) الذي هو أحد أشهر فنادق الخمس نجوم في حيدرأباد باتجاه (جولكوندا) أحد أهم وأقدم المعالم الأثرية والتراثية في حيدرأباد والتي كانت عاصمة لسلالة قطب شاه التي حكمت 171 سنة تولى الحكم فيها سبعة ملوك.

والقلعة عبارة عن بناء يحيط به سور ضخم، ولها عدة مداخل، ويوجد في أعلاها بعض القصور.

وبنيت هذه القلعة على تلة ترتفع 12 مترًا عن سطح الأرض، وأريد لها أن تكون عاصمة لسلالة قطب شاه. وتبلغ مساحة هذه القلعة أكثر من 7 كيلومترات مربعة، واستغرق بناؤها 62 عامًا في المدة من (1518-1580).

ولاحظنا الازدحام الشديد على بوابة هذه القلعة من الهنود الذي يحرصون على اصطحاب أسرهم وأطفالهم إلى هذه المعالم.

وكانت جولكوندا في عهد سلالة قطب شاه واحدة من أكبر الأسواق العالمية في تجارة الألماس واللؤلؤ والأقمشة.

توقفنا عند نقطة يقال إن الحرس كانوا يصفقون فيها فيسمع الصوت في أرجاء القلعة ونواحيها للتنبيه على حدوث أمر ما فيستعد جميع الحرس المنتشرين في أرجائها. وتحتوي هذه القلعة على مجموعة من الأبنية التي هي أشبه ما تكون بقاعات كبرى كانت تستخدم لأغراض مختلفة. وقد بنيت القلعة من أحجار الجرانيت على النمط الهندوسي الإسلامي.

وعلى مقربة من القلعة سوق تجاري قديم مزدحم وسط سكك ضيّقة تقودنا إلى حي (نشهار مينار). وتقع القلعة ومعظم المعالم التراثية القديمة في المدينة القديمة (Old City). ويقال إنّ هذه القلعة شهدت قصة حب بين الملك الرابع في هذه الأسرة محمد قولي قطب شاه الذي أحب راقصة بوذية، واعتنقت الإسلام وتسمت باسم (حيدر محل)، وأطلق اسمها على مدينة حيدرأباد تخليدًا لهذا الحب.

وتذكرنا قصة الحب هذه بتاج محل الذي شيده الملك المغولي شاه جهان الذي حكم من (1630-1648) ليضم رفات زوجته ممتاز محل تخليدًا لذكراها. وقد صور فيلم (جودا أكبر) هذه القصة أجمل تصوير. ومحمد قطب شاه هذا هو الذي أنشأ (تشهار مينار) و(مكة مسجد).

الأضرحة السبعة (Seven tombs):

سألت مرافقي الدكتور محمد السيقلي الفلسطيني الجنسية الذي أمضى في حيدرأباد 10 سنوات دارسًا للماجستير والدكتوراه في الجامعة العثمانية عن وجهتنا اليوم فرد قائلاً: سنزور اليوم الأضرحة السبعة أو القباب السبع فتذكرت قبور السبعة رجال في جامع أبو العباس السبتي في الحي القديم بمدينة مراكش بالمغرب. هذه الأضرحة السبعة هي أضرحة ملوك سلالة قطب شاه التي كانت عاصمتها (جولكوندا) التي حكمت من (1518-16787). ولاحظنا أنها سبعة أضرحة، وبني لكل ضريح قبة وقد كتب اسم الملك على شاهد كل ضريح.

ومما يلاحظ أن عدد الزوار المترددين على هذه الأضرحة قليل بالنسبة لبقية المعالم الأثرية والسياحية الأخرى. والواضح أن غالبية الزوار ربما جاءوا لغرض التبرّك. ويلاحظ كذلك بأن أعمال الترميم والصيانة ما زالت مستمرة في بعض هذه القباب، بينما ينتظر البعض الآخر دوره في هذه الأعمال.

ومن الملاحظ كذلك أن هذه القباب بنيت داخل سور في منطقة هادئة بعيدة عن الزحام السكاني. ويوجد مثيل لهذه القباب في القاهرة القديمة ويسمى ضريح القباب السبع أو السبع بنات.

مينار (المنارات الأربع):

كلمة تشار باللغة الهندية والأوردية تعني العدد (4) ومينار هي ترجمة لكلمة منارة مما يعني أن تشار مينار ترجمتها المنارات الأربع. والذي بنى هذه المعالم هو الملك الرابع من سلالة قطب شاه (محمد كولي قطب شاه) بعد القضاء على الطاعون الذي اجتاح المدينة في تلك الأيام عام (1591). ويقع هذا الصرح أو المعلم وسط سوق تجارية مزدحمة تكاد تكون من أقدم الأسواق في حيدرأباد حيث تكتظ بالباعة والمشترين والسيارات.

وتشتهر هذه السوق بتجارة اللؤلؤ والذهب والملابس والأقمشة، وتوجد بها الكثير من المطاعم والمقاهي. وهو أحد أهم وأشهر وأقدم معالم المدينة القديمة (Old City). ولعل بناء هذه المنارات في هذا المعلم بالقرب من مسجد مكة الذي يقترب تصميمه وشكله من المسجد الحرام، دلالة على الشكر لله والتقرب إليه، والرغبة في زيارة بيته الحرام شكرًا وامتنانًا على لطفه في القضاء على مرض الطاعون.

ويتفرع عن هذا المعلم أو الصرح مجموعة من الشوارع. ويقع بالقرب من مكة مسجد أي مسجد مكة الذي يعتقد أن قرميد بوابته مصنوع من طابوق تم إحضاره من مكة. وفي إطار سياق الحديث عن مسجد مكة أذكر أن مرافقي في زيارتي الأولى لحيدرأباد عام 2006 أخبرني عن عمارة قديمة طويلة تقع على أحد الشوارع القريبة من تشار مينار أن دخلها كان يخصص للصرف على الحرم المكي، وعند ظهور النفط قررت الحكومة السعودية الاستغناء عنه.

ويقع أمام مسجد مكة في الحي نفسه مستشفى الطب اليوناني الذي يقال إن هذا النوع من الطب انتقل إلى المسلمين عن طريق السريان. ومما شد انتباهي أن بعض السماسرة يعرضون علينا شققًا للإيجار، ويتكلمون اللغة العربية، على الرغم من أننا نرتدي الملابس الأفرنجية. ولعل ذلك عائد إلى كثرة الخليجيين والعرب المترددين على هذا المعلم الشهير فأصبحت سحنتهم وأشكالهم شبه مألوفة لدى هؤلاء السماسرة.

بحيرة حسين صقر:

من الصدف الجميلة أن الغرفة التي أقيم بها في فندق "ماريوت" تطل على هذه البحيرة الوادعة الجميلة مما أتاح لي فرصة التجول والتريض على الشارع المطل على هذه البحيرة حيث توجد مجموعة من التماثيل لشخصيات سياسية ووطنية من الهندوس والمسلمين.

وتبلغ مساحة هذه البحيرة 5.7 كيلومتر مربع ويغذيها نهر موسي أكبر أنهار حيدرأباد. وأنشئت هذه البحيرة في عهد إبراهيم قطب عام 1562 تخليدًا لذكرى رئيس وزرائه الذي أخلص وتفانى في خدمة الملك، وبهذا تكون من أقدم البحيرات الاصطناعية في العالم.

وتعد هذه البحيرة من أهم إنجازات سلالة قطب شاه. وعندما قررنا زيارتها اقترح عليّ المرافق زيارة بعض المنتزهات المحيطة بها حيث زرنا في البداية منتزه (Lumbing Park) حيث يوجد به نصب تذكاري لدامادوا أحد السياسيين الهنود من ولايات التانجو وعندما أردنا الدخول للصرح المبني بالرخام طلب منا الحراس خلع أحذيتنا احترامًا لخصوصية المكان.

ركبنا إحدى العبارات إلى الموقع الذي بني فيه أكبر مجسم لتمثال بوذا في الهند وسط هذه الجزيرة، الذي يبلغ طوله 17 قدمًا ووزنه 320 طنًا، وافتتحه الدالاي لاما (Dalay Lama) كما يدل على اللوحة الرخامية التذكارية التي وضعت أسفل هذا التمثال.

وبقي أن نتساءل ما علاقة اسم صقر بالجاليات الخليجية التي استوطنت حيدرأباد أو كان التجار منهم في علاقات تجارية قديمة معها، وخصوصًا إذا ما عرفنا أن حيدرأباد كانت تسمى قديمًا "مدينة اللؤلؤ" لاشتهارها بتجارة اللؤلؤ؟

وإني لأعتقد أن أصول "حسين صقر" هذا خليجية أو عربية وإن كنت أفتقر إلى الدليل.

متحف سالارجينج (Salarjung):

طوينا صفحة بعض إنجازات سلالة قطب شاه وانطلقنا لنفتح صفحات أحد إنجازات سلالة نظام حيدرأباد أو السلالة الآصفية التي حكمت حيدرأباد من 1724 إلى 1948، ومؤسسها هو آصف جاه قمر الدين الذي استقل بها عن دلهي خلال فترة ضعف إمبراطورية المغول في القرن 18 الميلادي.

وترى من المناسب التعريف ببعض إنجازات هذه السلالة وبصفة خاصة آخر الحكام الذي هو مير عثمان علي خان الذي حكم قرابة 37 عامًا من (1911-1948).

تعد فترة حكم مير عثمان علي خان من أزهى الفترات في تاريخ حيدرأباد الحديث حيث كانت فترة حكمه حافلة بالإنجازات الكثيرة في مجالات البنية التحتية كالطرق والسكك الحديدية والطيران والمصارف، وأنشأ المدارس والمستشفيات وأنشأ الجامعة العثمانية عام 1918م.

ويقال إنه كان أغنى أهل زمانه حيث بلغت ثروته في الأربعينيات ملياري دولار، وانتعشت في فترة حكمه تجارة اللؤلؤ حيث كانت حيدرأباد تسمى مدينة اللؤلؤ.

أما بالنسبة لمتحف سالار جنح (Salar Jung)، فإنه يقع في الضفة الجنوبية لنهر موسي بالقرب من دار الشفاء ومحكمة القضاء الأعلى (Supreme Court) ، ويعد ثالث أكبر متحف في الهند، وتم افتتاحه عام (1968) تحت رعاية الدكتور ذاكر حسين الرئيس الأسبق للهند، وهو أول رئيس مسلم للهند حسب ما هو موضح في اللوحة التذكارية على مدخل المتحف.

وعند وصولنا إليه وجدنا موقفاً صغيرًا للسيارات رغم كثرة عدد الزوار فطلبنا من السائق البحث عن موقف ريثما نعود. انطلقنا في جولة في قاعات هذا المتحف الذي يعد متحفًا للفنون يضم أكثر من 30 قاعة تحتوي على مقتنيات سلالة (سلار جنج) أو دولة النظام على مدى عشرات السنين من آسيا وأوروبا ومصر والشرق الأقصى.

وكانت فترة حكم النظام السابع مير عثمان علي خان من أكثر الفترات في جمع هذه المقتنيات والتحف والوثائق.

وقد قسم إلى قاعات تضم كل قاعة نوعًا من الفنون أو المقتنيات فقاعة للأسلحة وقاعة لصور سلالة النظام (سالار جنج) وقاعة للسيوف وقاعة للمجوهرات وقاعة للوثائق وقاعة للرسومات إلى غيرها من القاعات.

واسترعى انتباهي صورة في الدور الأرضي بالمتحف للمحكمة العليا كتب عليها بحروف إنجليزية القضاء الأعلى كما تنطق بالعربية مما يدل على الاعتزاز بالمسميات العربية وبخاصة في مجال القضاء.

تشاو موهولا Chou Moholla Palace:

يقع هذا القصر في المدينة القديمة old city بالقرب من صرح تشار مينار في مكان مزدحم بالسيارات والزوار الذين يشكل الهنود الغالبية العظمى منهم.

وكان هذا القصر مقرًا للحكم لسلالة النظام وأحد أهم إنجازات هذه الأسرة. وصلنا إليه قرب الظهر ووجدنا قرب بوابته موقفًا يتسع لعدد قليل من السيارات فطلبنا من السائق الانتظار ريثما يخلو موقف من هذه المواقف المكتظة. وكانت أهم الملاحظات أن إدارة هذا المعلم تتشدد في استخدام الكاميرات أو الهواتف النقالة إلا بشروط ورسوم مرتفعة فتجاوزنا هذه العقبة ودخلنا. وأول ما يقابل الزائر في هذا القصر الساحة الجميلة الخضراء المعشبة ونافورة الماء. ويحتوي القصر على قاعات كبيرة لكل قاعة غرض خاص كما هو الحال في القصور.

وقد بُني هذا القصر على مراحل، ويحتوي على مقتنيات بعض سلالة نظام حيدرأباد، وقاعات تحتوي على صور حكام حيدرأباد من هذه الأسرة خلال مراحل زمنية مختلفة من 1882-1933. كما لاحظنا أن بعض القاعات الصغيرة مغلقة وبعض القاعات الكبرى تخضع للصيانة.

وقد حولت الدولة عددًا من القصور إلى فنادق ومكاتب حكومية، وبعضها الآخر بقي مهجورًا وبحاجة إلى ترميم، أما المعالم الكبرى فأصبحت مزارًا ومهوى لأفئدة السياح من الداخل والخارج.

دائرة المعارف العثمانية:

هذه الدائرة هي من أقدم وأهم إنجازات سلالة النظام أو الدولة الأصفية على الصعيدين الثقافي والفكري. وقد اغتنمت وجودي في جامعة الإنجليزية واللغات الأجنبية فطلبت موعدًا لمقابلة الأستاذة الدكتورة بنجامين أختر مديرة الدائرة وخصوصًا إنها تقع في حرم الجامعة العثمانية القريبة من جامعة الإنجليزية التي يقال إنّ الأرض التي بنيت عليها هذه الجامعة هي من أراضي وأملاك الجامعة العثمانية. وسألتها بأي لغة تفضل الحديث معها فردت بأنها تفضل الحديث باللغة الإنجليزية لعلمي بأنها رئيسة قسم اللغة العربية بالجامعة العثمانية ومنتدبة لإدارة هذه الدائرة بالإضافة إلى عملها.

وطلبت منها أن تعطيني فكرة عن الدائرة فردت بأن هذه الدائرة أنشئت عام 1888 ميلادية، وهي من أوائل وأشهر المؤسسات التي تعنى بطباعة المخطوطات على مستوى العالم في المجالات الدينية والأدبية والتاريخية والعلمية، وكانت مطبوعاتها مرجعًا للباحثين من مختلف دول العالم إلى عهد قريب. ويمكن القول إنه مر على إنشائها 120 عامًا تقريبًا.

سألتها عن سر التغير في هذه الدائرة عما وجدته في زيارتي الأولى عام 2006 من حيث التجديدات في المبنى فردت قائلة بأنها منذ أن استلمت عملها قبل عدة سنوات قامت بإجراء العديد من أعمال الترميم والصيانة بحيث أصبح المبنى بهذه الحالة. وبادرتها بسؤال عن التطوير الذي تم في أعمال الطباعة بهذه الدائرة فقالت إن الكتب والمطبوعات أصبحت تطبع في مطابع خارجية بطرق متطورة كالأوفست عما كانت عليه من قبل من خلال صف الحروف يدويًا ومطابع (الهايدل برج) الألمانية القديمة بسبب السرعة والميزات التي تتوفر في المطابع الحديثة.

سألتها عن تبعية الدائرة، وهل تتبع الجامعة العثمانية باعتبار أن مقرها في حرم هذه الجامعة فقالت إن الدائرة تتمتع بشخصية اعتبارية ولها مجلس أمناء، وهناك بعض كبار الأساتذة من الجامعة العثمانية يمكن أن يكونوا أعضاء في هذا المجلس.

كما سألتها عن الدعم والتبرعات فقالت إن الدائرة تتلقى دعمًا من الحكومة، وتأتي بعض التبرعات أو الهبات من بعض دول العالم الإسلامي لمساعدتها في أداء رسالتها العلمية والثقافية بعد موافقة الجهات المعنية في الدولة.

وجدتُ أحد الموظفين القدامى بمكتبها واسمه سيد سعيد الدين مغربي الذي عمل في عمان قرابة 7 شهور عام 1991 عن أصل كلمة مغربي في اسمه وعلاقتها بأصوله المغربية فقال: إنّ أصوله تعود إلى المغرب فتذكرت كتاب "هجرات الموريسكيين" الذي يرى أن بعض هجراتهم القسرية كانت إلى الهند

وطلبت منها القيام بجولة في أقسام الدائرة لأطلع عن كثب على التغيير والتجديد الذي جرى خلال السنوات السابقة من الداخل بعد أن شاهدت بعيني الترميم والصيانة على المستوى الخارجي في المبنى والساحات والهيكل العام للدائرة.

وكان قسم صف الحروف على الطريقة التقليدية القديمة أول الأقسام التي زرتها برفقة مدير الدائرة فوجدت موظفًا قديمًا من موظفي الصف الذين رأيتهم في زيارتي الأولى، وسألت عن الباقين فقالت لي تركوا العمل لبلوغهم السن القانونية وعددهم 18 شخصًا فآلمني ما سمعت وما رأيت فتمنيت لو تعزز الدائرة بعدد من الباحثين الشباب لا يقلون قدراً وكفاءةً عن أولئك القدامى.

انتقلنا إلى القسم الآخر وهو قسم الطباعة فوجدنا اثنين من العمال يديران ماكينة طباعة من مكائن الهيدل ببرج الألمانية القديمة فسألتها عن سبب وجودهما واستمرارهما في طباعة بعض الكتب على الطريقة القديمة فردت قائلة لو أوقفنا العمل بهذه الطريقة لفقد هذان العاملان وظيفتهما.

وصعدنا بعد ذلك إلى الدور الثاني حيث يوجد مخزن الكتب (Stock) فرأيت أرففًا ملئت بالآلاف من الكتب التراثية في شتى المجالات.

وفي نهاية زيارتي طلبت منها ملخصًا بمطبوعات الدائرة منذ إنشائها فأعطتني الملخص وكشافًا يشتمل على عرض لأهم المطبوعات في معظم المجالات ونبذة عن كل كتاب مطبوع.

يوم في مدينة راموجي للإنتاج السينمائي (Rolmojy Film City):

لا تذكر الهند إلا وتتبادر إلى الأذهان الأفلام الهندية التي عادة ما يتخللها الرقص والغناء، ويتبادر إلى أذهاننا كذلك بعض أبطال وشخصيات تلك الأفلام التي اعتادت الذائقة الخليجية والعربية بل والعالمية على الإعجاب بها كدوليب كومار وأميتا بتشن وكيشور كومار وراجيش كنا وشاشي كومار وشاروخان.

ذلك الولع الهندي والعالمي بتلك الأفلام أدى إلى أن تحتل الهند المركز الثاني في إنتاج الأفلام بعد (هوليود) حيث نتنتج (بوليود) أكثر من 1000 فيلم سنويًا.

وقبل زيارة هذه المدينة سألت أصدقائي الأساتذة الهنود ومرافقي الفلسطيني عن الوقت الذي قد نستغرقه في زيارتها فنصحوني بالتوجه إليها في الصباح الباكر لأن زيارتها تحتاج إلى يوم كامل من الصباح إلى المساء.

وصلنا إليها قرابة الساعة التاسعة صباحًا فوجدنا طوابير من الزوار تصطف لاستخراج التذاكر فقال لنا المختصون على البوابات بأننا لو حجزنا عن طريق النت إلكترونيًا لدخلنا بسهولة لأن هناك بوابة لأصحاب الحجز المسبق.

استلمنا التذاكر وخريطة المدينة التي تبعد عدة كيلومترات عن البوابة الرئيسية ومواقف السيارات.

وعند وصولنا إلى الموقع الأول نزلنا من الأوتوبيسات (الحافلات) الكبيرة لتنقلنا حافلات مخصصة للجولات الداخلية حيث تتوزع المدينة إلى عدة مواقع يتضمن كل موقع أو مكان مجموعة من المجسمات والمشاهد التي يستعان بها عادة في تصوير الأفلام.

وعند وصولنا إلى نقطة التجمع الأولى وجدنا لوحة كبيرة مكتوب عليها أن مساحة هذه المدينة 674 هكتاراً مما يعني أنها أكبر مدينة سينمائية في الهند، ومنحت شهادة من موسوعة جينيس للأرقام القياسية كأكبر مجمع سينمائي في العالم.

وخلال جولتنا التي استمرت ساعات طويلة تتخللها فترات استراحة قصيرة لشرب القهوة والغداء شاهدنا مجسم بوندا فن جاردن في ميسور، كما مررنا بمزارع وحقول تستخدم لتصوير بعض المشاهد الخاصة بالطبيعة الزراعية وحياة الريف الهندي.

أقلتنا الحافلات الداخلية بعد ذلك إلى موقع توجد فيه مجسمات لأهم المعالم في مدينة لندن كالبرلمان والكنيسة وبعض الشوارع التي يستعان بها عند الحاجة إلى تصوير مشاهد ولقطات من لندن. كما انتقلنا إلى مجسم لمطار بانكوك في تايلند ودخلنا إلى مجسم لطائرة تايلندية قريب من الطائرات الحقيقية أو يكاد.

انتقلنا بعد ذلك إلى جولة في موقع آخر حيث يحتوي على أهم المعالم في الهند كتاج محل وتمثال بوذا ومركز الشرطة والسجن المركزي وبين قضبانه دمى وأشكال لمساجين، وقاعة اجتماع المهراجات على شكل دمى آدمية تحرّك رأسها ويتزعمها أحد كبار هؤلاء المهراجات، وهم يؤدون بعض الطقوس، ورأينا كذلك معبدي بقوان والراجا.

ومررنا على المبنى الرئيس لمركز شركة راموجي للإنتاج السينمائي (Ramojy Film city) واسترعى انتباهنا لوحة كتب عليها أن المرحلة الأولى للشركة بدأت في 1991 واستمر العمل في الإنشاءات إلى عام 1998، وما زالت التوسعات وأعمال الإنشاء والبناء مستمرة إلى الآن.

وتوقفنا عند مجسم شبه حقيقي فيه بعض عربات القطار وسكة حديد بما يشبه محطة قطارات حقيقية ولاحظنا تصوير مشهد من فيلم بلغة (التاميل) مما يعني أن هناك أفلاماً يتم تصويرها وإنتاجها ببعض أشهر اللغات المعروفة في الهند كالتاميل والتلنجو والماليلم، التي عادة ما تكون أقلامها للمتحدثين بهذه اللغات داخل الهند وعلى مستوى إقليمي.

ومما استرعى انتباهي سماع صوت الأغاني الهندية القديمة الـ(Meldy) في بعض الأماكن داخل هذه المدينة التي اعتدت على سماعها في الأفلام الهندية القديمة كفيلم (Son of India) أو (Mother of India) و(غاندي) وسمعتها في بعض المطاعم الراقية في دلهي، وهي عادة ما تخلو من الرقص.

وقد مررنا على المحطة قبل الأخيرة وهي مواقع تصوير بعض الأفلام الشهيرة التي حظيت بالعالمية كفيلم "بهوبال" "Bhapal Aprayer for rain" الذي يتحدث عن كارثة "بهوبال" التي وقعت في مدينة بهوبال في 3 ديسمبر 1984، وأودت بحياة الآلاف من الناس.

وكانت المحطة الأخيرة التي كانت قبل المغرب بقليل لزيارة بعض العروض كعرض الخدع السينمائية والصوت والضوء والصورة حيث رأينا كيف تتم الخدع السينمائية، وركبنا في عربة قيل لنا إنها مركبة فضاء صعدت بنا إلى بعض الكواكب. ثم انتقلنا بعد ذلك لمشاهدة العرض المرعب "Stunt Show" الذي يتم فيه عادة تبادل إطلاق النار وهجوم متبادل بين عصابات، وينصح بعدم اصطحاب الأطفال الصغار لهذا العرض.

ويذكرني هذا العرض بعرض مشابه في مدينة الجولدكوست Gold Coast باستراليا عندما زرنا شركة Warner bros للإنتاج السينمائي قبل أكثر من 9 أعوام.

وعند انتهاء هذه العروض قيل لنا إنه كان هناك عرض للرقص الهندي الذي عادة ما يكون في الأفلام الهندية فتذكرت معلمة اللغة الإنجليزية بمعهد (هوثرون) بملبورن باستراليا التي كانت مغرمة بالرقص الهندي وكانت تأخذ دروسًا في تعلم هذا النوع من الرقص في أحد المعاهد بوسط المدينة في ملبورن.

انتهت زيارتنا لهذه المدينة بعد المغرب بقليل، وقد بلغ منا التعب مبلغًا.

"حميدي".. حلويات من زمن الملوك:

عندما أردت شراء بعض الحلويات التي تتميز بها حيدرأباد سألت الأستاذ الدكتور سيد جهانجير/ رئيس قسم الدراسات اللغوية بجامعة الإنجليزية واللغات الأجنبية والمشرف على جامعة "الحرمين الإسلامية فنصحني بزيارة محل "حميدي" الذي يُعد من أقدم محلات بيع الحلويات، ويقع في المدينة القديمة (old city).

توجهنا إليه فالتقانا أحد تلاميذ الدكتور سيد الذي يعمل في هذا المحل منذ سنوات ورحب بنا، ثم نادى أحد أقدم العاملين في هذا المحل الشيف سيد معين الدين الذي عمل في الكويت والسعودية وعمان لعدة سنوات الذي قدم لنا بعض العينات من الحلويات لتذوقها التي منها الحلويات المصنوعة من التين التي تشتهر بها حيدرأباد وحلويات (غلام جام) و(جورباني) و(راس ملاي) وغيرها من الحلويات.

اغتنمنا فرصة وجود الشيف سيد معين الدين فسألناه عن عمر المحل فقال إن عمر المحل يزيد على 120 عامًا، وقد منح المحل شهادة تقدير وتكريم (Award) عام 1363ه الموافق 1943م من النظام السابع لحيدرأباد مير عثمان علي خان الذي حكم حيدرأباد لمدة 37 عامًا من (1911-1948).

اشترينا مجموعة من العلب من أفضل وأجود حلويات هذه المدينة التي يصنع معظمها من الحليب والسكر وشكرنا العاملين على الضيافة والترحاب.

البرياني.. ملك المطبخ الحيدرأبادي:

للطعام الهندي خصوصية المذاق والطعم والرائحة بسبب ما يمزج به من توابل وبهارات. ولقد اعتادت الذائقة الخليجية على ما يقدمه المطبخ الهندي نظرًا للجوار والعلاقات القديمة التي تربط ما بين الهند والخليج العربي بصفة خاصة. وقد أفادتني خبرتي السابقة في بقال والدي في السبعينيات من القرن الماضي في التعرف على الأكلات الهندية من خلال وجود عدد من المطاعم الهندية في الحي التجاري لمدينة صحار العمانية الذي يقع فيه بقال والدي ومنزله، ومن خلال وجودي طالبًا في جدة؛ حيث يُرجع إليّ فيما يتصل بالمطاعم عند قدوم الضيوف والمعتمرين العمانيين ممن يبحثون عن مطاعم جيدة.

ونظرًا لمعرفتي بشهرة حيدرأباد بأكلة البرياني التي عادة ما تصنع من الرز واللحم والرز والدجاج طلبت من مرافقي أن يأخذني إلى أقدم مطعم برياني من المطاعم التي اشتهرت بجودتها فاقترح عليّ تناول وجبة الغداء في مطعم Paradise التي تعني الجنة بمدينة اسكندر آباد إحدى مدن حيدرأباد فتوجهنا إليه ولاحظنا وجود صورة قديمة للمطعم في شكله القديم تعود إلى عام 1953. وبينما نحن في حوار مع إحدى قدامى العاملين في المطعم حول هذه الصور وعمر المطعم اقترب منا أحد كبار السن الذي من الواضح أنه كان يتناول وجبة الغداء فقال نعم المطعم قديم والصور تعود إلى التاريخ المدون، وأنا درست وعشت طفولتي في هذه المدينة، واعتدت على زيارة المطعم بشكل دائم.

يتكون المطعم من ثلاثة أدوار وتختلف الأسعار وفقًا لدرجة كل دور أو جناح من حيث الراحة والرفاهية دون أن يكون هناك تغير في نوع الطعام وجودته، فالطعم الذي يقدم في كل المستويات من مطبخ واحد تقريبًا وبجودة متساوية. واعتادت بعض مطاعم البرياني تقديم الكباب الهندي مع الروب وخبز النان كمقبلات قبل الوجبة الرئيسية، وكنت عادة ما أطلب الببت أو الببرم، وهو نوع شبيه بالخبز المقرمش يقدم عادة مقليًا، وأصبح الآن متوفرًا في معظم مراكز التسوق.

وصادف وجودنا في المدينة القديمة قرب تشار مينار وقت الظهيرة فتناولنا الغداء في مطعم "شهداب" أحد أقدم المطاعم، وطلبنا وجبة "البرياني" كالعادة، يسبقها الكباب والروب وخبز الثان والبيبت. لكن الشيء الغريب أن هذا المطعم الذي يتكون من دورين ومزدحم لدرجة أننا انتظرنا ربع ساعة تقريبًا ريثما تخلو إحدى الطاولات.

وعندما رأينا الزحام الشديد وانتظار الناس قلت في نفسي إن الطعام لن يكون بالجودة المعهودة. ولكن كم كانت المفاجأة عندما جاء الطعام ساخنًا، ولم يتغير شيء من طعمه ونكهته ونوع البهارات والتوابل التي مزجت فيه.

برياني وقار الدين:

دُعينا لتناول وجبة العشاء في منزل الأستاذ وقار الدين الذي عادة ما يدعو الأساتذة والعلماء الذين يشاركون في مؤتمرات وندوات بحيدرأباد، وكان يرافقني الأستاذ الدكتور عبدالله القتم، والأستاذة الدكتورة نسيمة الغيث وعدد من الأساتذة العرب والهنود.

والأستاذ وقار الدين هذا هو مدير جريدة "رهماني الدكن" أقدم الجرائد الأوردية اليومية بحيدرأباد يصدر منذ أكثر من 100 عام، ورئيس الرابطة الهندية العربية منذ نصف قرن. وهو مناصر للقضية الفلسطينية، والتقى بالرئيس ياسر عرفات ومحمود عباس، وحصل على تكريم وجائزة من جامعة الدول العربية.

والطريف في الأمر أن وجبة البرياني كانت حاضرة على تلك المأدبة، وكنا قد تناولنا البرياني على الغداء في وقت متأخر، ولم تكن لدينا الرغبة لتناول عشاء دسم، لكن الأستاذ الدكتور القتم تذوق قليلاً من هذا البرياني فقال تذوقوه إنّ هذا البرياني لا يقاوم هذا بلاليط وليس برياني.

وفتح الدكتور القتم شهيتنا، وكم كانت المفاجأة أن هذا البرياني أعد بطريقة رائعة على يد طهاة ماهرين، وبخاصة ذلك اللحم الطري الذي يتخلل ذلك الرز.

وكان الأستاذ وقار الدين قد ألقى كلمة في الضيوف قبل بدء العشاء تحدّث فيها عن العلاقات الهندية العربية، وعن مناصرته للقضية الفلسطينية منذ نصف قرن، وعن جهوده الدائمة في هذا الصدد.

بِركة الأصابع Finger Pool:

من العادات المعروفة في مطاعم حيدرأباد تقديم الماء الساخن والليمون بعد الأكل لغسل الأيدي من بقايا الطعام في إناء صغير مصنوع من النحاس وتسمى بالإنجليزية Finger Pool أي بركة الأصابع، والواضح أنها عادة هندية قديمة تشبه إلى حد ما عادة غسل الأيدي عند العرب من خلال إناء به ثقوب ينزل من خلالها الماء بعد الغسيل، ويقوم أحد الناس بصب الماء من إبريق. وكنت أمازح العاملين في المطاعم قائلاً: لماذا لا تسمونه بركة الأيدي Hand Pool؟

ومن الطرائف التي ذكرها لي مرافقي الدكتور محمد السيقلي أنّ بعض الطلبة العرب القدامى في حيدرأباد عندما يسألهم زملاؤهم عن هذا الإناء المصحوب بالليمون يردون عليهم بأن هذه شوربة من باب الدعابة.

ومن طريف ما يذكر أن ملكة بريطانيا الحالية اليزابيث عندما زات الهند منذ سنوات، وقدّم لها هذه الإناء بعد الأكل همت بشرب ما فيه ظنًا منها أنها شوربة لولا أن أحد مرافقيها نبهها إلى أن هذه ليست شوربة وإنما هو إناء لغسل الأصابع.

"ديوالي".. عيد الأنوار والغار والورود:

استرعى انتباهي أكاليل الغار والورد معلقة على المحلات، وفي مقدمة السيارات فسألت الأستاذ الدكتور سيد جهانجي، فقال إنه الديوالي وهو عيد الأنوار عند الهندوس ويسميه البعض "الديفالي" (Divali, Diwali). ويبدأ هذا العيد من نوفمبر، وقد يستمر إلى منتصف ديسمبر، ويرافقه مجموعة من المهرجانات والفعاليات. ودعتني جامعة الحرمين الإسلامية التي يشرف عليها الأستاذ الدكتور سيد جهانجير والتي أكملت عامها التاسع لإلقاء كلمة في حفل تخريج دفعة من طلابها أثناء وجودي في حيدرأباد، وتم تكريمي بأن وضع العلماء المشرفون على هذه الجامعة إكليلاً من الورود حول عنقي.

وتبين لي فيما بعد من خلال من عاشوا في الهند وحيدرأباد لسنوات طويلة أن هذا هو أحد أوجه التأثر والتأثير بين الهندوس والمسلمين.

الجاليات العربية في حيدرأباد:

العلاقات بين الهند والعالم العربي تعود إلى ما قبل الفتح الإسلامي الذي يشكل بداية انطلاق هجرات عربية إلى الهند لأغراض كثيرة أهمها نشر الإسلام والتجارة. ويشكل العرب في حيدرأباد بنسبة لا بأس بها حيث تقطن الجالية اليمينة في حي (بوكس) في المدينة القديمة ويقدر عددهم ب100 ألف نسمة.

وبعض هؤلاء اليمنيين جاءوا كجنود مع الجيش البريطاني أثناء حكم بريطانيا للهند، والبعض الآخر جاء للتجارة. ويقال إن الحراس في قصر النظام السابع والأخير لحيدرأباد الذين كانوا من اليمنيين بلغوا الآلاف.

ووصل أحد أبناء الجالية اليمنية وهو سيد أحمد العيدروس، من أصل حضرمي على رتبة لواء، وكان قائدًا للقوات المسلمة في حيدرأباد (1866-1948). وشارك في الحربين العالميتين الأولى والثانية. ويوجد في حيدر أباد حي صغير اسمه "صلالة" لعل قاطنيه هم من أهل صلالة أو ظفار عمومًا، ولعلهم من الجنود الذين قدموا إلى حيدرأباد مع الجيش البريطاني.

ويذكر لي صديق من أهل صلالة أن شابًا من حراس أحد قصور سلاطين حيدرأباد في العصر الحديث أحبته ابنة أحد السلاطين أو الأعيان وأصرت عليه أن تهرب معه إلى صلالة، فشرح لها ظروفه المادية ووضعه المعيشي، وأنه لن يستطيع أن يوفر لها هذا النعيم أو الترف الذي تعيش فيه. ولكنها أصرت ودبرت أمر الهروب من القصر عن طريق بعض حراسها وخدمها عبر عدة وسائل نقل إلى أن وصلت إلى صلالة.

وعندما وصلت إلى صلالة صدمت بالواقع ولم تستطع التأقلم مع تلك الظروف الصعبة التي كانت تعيشها المنطقة أنذاك. ويؤكد لي الأخ الصديق أنه رآها وهي عجوز في طفولته، وأن كبار السن من أهل صلالة يعرفون قصتها.

وأعتقد لست جازمًا أن سكان حي صلالة ساعدت الجالية اليمنية في وجودهم بحكم الجيرة والنسب وتداخل القبائل بين اليمن وعُمان.

د. عصمت مهدي ووسام الكوكب الدري:

الأستاذة الدكتورة عصمت مهدي من المؤسسين لقسم الدراسات اللغوية بجامعة الإنجليزية واللغات الأجنبية (المعهد المركزي للغة الإنجليزية واللغات الأجنبية سابقاً) بحيدرأباد. وذكرت لي في زيارتي الأولى لحيدرأباد عام 2006 أن خالها كان دبلوماسيًا في العراق إبان العهد الملكي، وكانت مديرة المركز الثقافي الهندي في القاهرة في أواخر السبعينيات وترأست قسم الدراسات اللغوية منذ سنوات طويلة قبل أن تحال إلى التقاعد.

كما ذكرت لي في الزيارة الأولى أن جدها كان الطبيب الخاص لأحد سلاطين زنجبار ومنحه وسام الكوكب الدري الذي كان يُعد أعلى وسام في سلطنة زنجبار تقديرًا لإخلاصه وتفانيه.

وصدر كتاب الأوسمة والنياشين في سلطنتي زنجبار وعمان، وكان فيه ذكر لدكتور منح هذا الوسام، وأظنه جدها الذي أخبرتني عنه.

مجلة العربي حاضرة في مؤتمر المقالة:

نظّم قسم الدراسات اللغوية بجامعة الإنجليزية واللغات الأجنبية بحيدرأباد مؤتمرًا دوليًا في الفترة من 12 إلى 15 نوفمبر 2018 بعنوان "أدب المقالة في الخليج العربي".

وتزامنًا مع عيدها الستين كانت مجلة العربي حاضرة في هذا المؤتمر حيث قدمت عن هذه المجلة ورقتان بحثيتان الأولى بعنوان "دور مجلة العربي في إثراء الثقافة العربية" للدكتور نجيب أختر الأستاذ المساعد في قسم اللغة العربية بجامعة دلهي. والورقة الثانية بعنوان "قراءة مضمونية لأدب المقالة الخليجية: مجلة العربي أنموذجًا" للأستاذ صبري العقاب من قسم اللغويات والإنجليزية الحديثة بجامعة اللغة الإنجليزية واللغات الأجنبية بحيدرأباد.

وداعية:

وفي رحلة العودة وصلت إلى صالة المغادرين التي افتتحت حديثًا، وقد لفت انتباهي لوحة كبيرة كتب عليها العبارة الآتية باللغة الإنجليزية:

From the Charm of Charminar to the Calm of Hussina Saggar

التي تلخص الرحلة إلى حيدرأباد ومعناها: "من سحر تشار مينار إلى هدوء حسينى صقر".

 

الصورة رقم 1.JPG
 جولكوندا قلعة الحكم والملوك.

 

الصورة رقم 2.JPG
 رسم توضيحي للقباب السبع على مدخل المعلم.

الصورة رقم 3.JPG
 ضريح فاطمة سُلطانة أحد القباب السبع.

الصورة رقم 4.JPG
 الكاتب داخل أحد القباب السبع.

الصورة رقم 5.JPG
 منتزه N.T.R المُطل على بُحيرة حسين صقر

الصورة رقم 7.jpg
الصورة رقم 6.jpg
مناظر جانبية من متحف سالارجنج

الصورة رقم 9.jpg
 شهادة من نظام حيدراباد يعتز بها صاحب المحل.

الصورة رقم 10.jpg
 (باراديس) من أقدم مطاعم البرياني في حيدراباد

الصورة رقم 11.JPG
 منظر لكلية الآداب أقدم الكليات في الجامعة العثمانية

 

** كاتب وأكاديمي من سلطنة عُمان

تعليق عبر الفيس بوك