الموظف المرتشي

 

جابر حسين العماني

Jaber.alomani14@gmail.com

من أبرز المهام التي تقوم بها الدولة وأجهزتها المُختلفة، وضع القوانين والأنظمة الصارمة، ليتمكن المواطن من العيش بكرامة على أرض الوطن بعيدًا عن التعقيدات والصعوبات التي قد يُواجهها في أروقة الدوائر الحكومية والرسمية.

والموظف مهما كانت وظيفته ودرجته في أجهزة الدولة، إلّا أنه ونظرًا لتمتعه بسلطة يستطيع من خلالها خدمة الوطن والمواطنين، لذا فإنَّ من الواجب عليه الإخلاص الدائم في أداء مهام عمله وعدم استغلال وظيفته وسمعته وسلطته ومكانته من أجل الحصول على رشوة من المال أو الامتيازات الشخصية مقابل ما يقوم به من واجبات وطنية كلف بها من الأساس، فليس من حق الموظف صغيرًا كان أم كبيرًا استغلال رتبته ومنصبه لتعطيل معاملات الناس، أو تأخيرها أو طلب المال لإنجازها.

ومن المؤسف جدًا عندما يتحول الموظف أو المسؤول إلى فاسد لا يجيد من عمله إلا جمع المال من المراجعين لخدمة نفسه وزيادة أرصدته في البنوك دون وجه حق، فتراه يعطِّل معاملات الناس ولا ينجزها إلا بشرط الحصول على الرشوة المُحرّمة شرعًا وعرفًا والتي هي في الواقع تتحول إلى نار في أحشائه لما يرتكبه من جريمة أكل حقوق الناس بدون وجه حق، وقد قال تعالى فيهم: {وَتَرَى كَثِيرًا مِنْهُمْ يُسَارِعُونَ فِي الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَأَكْلِهِمُ السُّحْتَ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ}.

وهنا نذكر بالمادة 207 من قانون الجزاء العماني والتي تنص على الآتي: "يعاقب بالسجن مدة لا تقل عن (3) سنوات، ولا تزيد على (5) سنوات، وبغرامة تساوي على الأقل ما أعطي له أو وعد به، وبعزله عن الوظيفة، والحرمان من تولي الوظائف العامة بصورة مطلقة، كل موظف عام طلب أو قبل لنفسه أو لغيره أي مقابل كان أو أخذ وعدا بذلك من أجل القيام بعمل من أعمال وظيفته أو بواجب من واجباتها، أو الامتناع عن القيام بعمل واجب عليه الامتناع عنه".

كما شددت العقوبة في المادة 208 من ذات القانون بالسجن مدة لا تقل عن (3) سنوات ولا تزيد على (10) سنوات لمن قام بعمل مناف لواجبات الوظيفة أو امتنع عن عمل كان واجبا عليه القيام به بحكم الوظيفة".

إنَّ الفاسدين هم فقط من يتحملون مسؤولية تعطيل الكثير من المشاريع التنموية التي سخّرت من أجل نجاح وازدهار البلاد والعباد، لذا يجب أن يعلم كل من يعمل في أروقة الدولة أن انتشار الرشوة المحرمة شرعًا وعرفًا في مؤسسات الدولة تفسد الأخلاق وتضيع الأمانات وتضعف الثقة بين المواطنين والمسؤولين، فتكبر عند ذلك الأنانية وتعشعش الأنا لدى ضعفاء النفوس على حساب الكثير من قيمنا وعاداتنا الدينية والاجتماعية.

ومن واجبات الدولة وأجهزتها المختلفة حماية الوطن والمواطنين من غطرسة أهل الفساد ومواجهتهم ومكافحتهم ومحاربتهم بيد من حديد، كما إن الدولة مسؤولة عن معاقبة الفاسدين والمفسدين وكشف ألاعيبهم وتوجهاتهم، إلّا أن الحرب على الفساد يجب أن يشترك فيها جميع أفراد المجتمع وذلك بهدف تطهير المجتمع من جرائم الفساد وأهله ومشجعيه.

إن المتأمل لكتاب الله تعالى وسنة نبيه المؤيد محمد بن عبدالله صلى الله عليه وآله وسلم يجد وبكل وضوح أن الإسلام كان يحارب الفساد والمفسدين كالراشي والمرتشي في أروقة العمل فأحيانا تجد القرآن الكريم يتحدث عن أكل السحت وأحيانا يتحدث عن أكل أموال الناس بالباطل ومن ذلك قوله تعالى: {وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُم بَيْنَكُم بِالْبَاطِلِ وَتُدْلُوا بِهَا إِلَى الْحُكَّامِ لِتَأْكُلُوا فَرِيقًا مِّنْ أَمْوَالِ النَّاسِ بِالْإِثْمِ وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ}، وقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (إِيَّاكُمْ وَاَلرِّشْوَةَ فَإِنَّهَا مَحْضُ اَلْكُفْرِ وَلاَ يَشَمُّ صَاحِبُ اَلرِّشْوَةِ رِيحَ اَلْجَنَّةِ).

وإنَّ من أهم واجبات المواطن الصالح هو عدم التجاوب مع ما يطلبه منه الموظف الفاسد، لكي لا يكون شريكه أو مشجعه في الفساد، وأبسط ما ينبغي القيام به هو إبلاغ الجهات الرسمية عن الفاسدين وما يقومون به من تجاوزات في حق الوطن والمواطنين.

اليوم هناك مسؤولية أخلاقية كبيرة يجب أن يتحملها الجميع تبدأ من الأُسر والمدارس والمساجد والجامعات والمجتمع بشكل عام، وهي إيجاد وتفعيل الدروس الأخلاقية والتوعوية التي من خلالها نستطيع صناعة جيل نزيه عارف بأهمية الأمانة واحترام مواقع العمل؛ بل وتعريف الموظف بأن الوظيفة التي يشغلها هي تكليف وليس تشريفاً لذا ينبغي على الموظف خدمة المراجعين ومقابلتهم باحترام وتقدير وإجلال بعيداً عن الملل والكلل والكسل والتشاؤم وإنجاز معاملاتهم بكل إخلاص ووفاء وتفانٍ.