أضمر شغفًا

 

فاطمة الحارثية

 

المطلق! هل هو الثابت الذي لا يحتمل التغيير أم هو الصعود على سلالم التغيير والتطوير؟  أم هو جزء من اللحاق بالركب، فنحن لا يجب أن نعود من منتصف الطريق ولا من أي مرحلة، وعلى المتأخر مواكبة الأحداث، واستدراك ما سهى عنه دون خلخلة المنجزات؛ هل نتفق؟ أو كعرب نتفق على أن لا نتفق!

اعتاد العرب قديماً أن يبالغوا في وصف شراسة وقوة أعدائهم، ابتغاء المفاخرة بشدتهم وشجاعتهم وجسارتهم، ولقد أخبرتنا المعلقات وقصائدهم وأدبيات العرب ما برهن تلك السلوكيات، للبعض كانت طريقة ترهيب وتخويف، لمن قد تسول له نفسه أن يقوم باقتحام عرينهم، وللبعض كان لمتعة الكلم والتفاخر، وهل مازلنا نتبع ذات الطريق؟!

يُقال إن من النضج قبول الاختلاف، ومن هذا القول هل علينا حقاً قبول عوامل الاختلاف التي لا تُحقق ذاتنا وشغفنا الخاص؟ إذا ما هو النضج إن لم يتحقق وجودي بين ثنايا شغفي؟ إليكم سري، لا أجد منارة لشغف لا يُنير كل من حوله معه، ليس ثمة لذة أجمل من شغف "نحن" العطاء المشترك واللامحدود، لتذليل كل الصعاب من أجل الجماعة والنفع العام، وإن خرجت من رحم أمي وحيدة وعدت لرحم الأرض وحيدة، لا استطيع أن أتصور العيش في الجنة وحيدة، لنتذكر ذلك، فالجنة صحبة.

ما هي حقيقة الشغف؟ قد تقول الطريق المؤدي إلى السعادة، وقد يكون بالنسبة لك هدف أو أمور تُثير الرغبة بالاستمرار والبقاء، وأقول ربما هو الشعاع الذي يدل من تبين حقيقته إلى ميناء، يحمل أجسادنا إلى ضفاف أخرى مختلفة، لنصنع مصيرا مشتركا، وقد يكون أثر أرواحنا التي انشطرت لتصنع تاريخا أو قيمة على الأرض، وقد يكون البوصلة التي تغرس بصمة حقيقية تنفع الناس. سمعت كثيرا من البعض مقولة "عليك أن تجد شغفك"، لكنهم لم يُعرّفوا الشغف وماهيته أو حتى كيف يبدأ، وأيضًا فصله البعض وجعله فرديا، فأين اللذة في ذلك، وأي شغف قد تنعم به وحيدا؟، لو أخذنا حديث الآخرين لا أعتقد أنَّه سوف يروي ظمأ الحياة شغف يتيم، أو سيبقى له أثر بعد رحيل، جميعنا أفراد مؤثرين في البيئة والمجتمع، والمباشرة في الإيعاز ليس خطأ، خاصة إذا كان لشباب يعاني تيه المُراهقة أو حيرة نضج، وعليه مواكبة التسارع من حوله، وأيضاً لا يوجد تأثير ثابت، بل هو "الإلهام" من أجل التوازن بين المفاهيم والفهم، ومقدار رغبة كل فرد في تصور الأمور من حوله؛ لا يجب أن نعتقد أن الناس تفهم قولنا وسوف تفعل ما قمنا بتوجيههم إليه، أو حتى ترغب به، لا، فكل قارئ يفهم الكتاب بطريقته وسعته وخبرته والبعض قد يبحث عن نفسه بين طيات الكتاب، لذلك رفقا بالناس أن تكون معاملاتنا معهم بتفهم تام، لأنهم ليسوا على ذات الوتيرة من الخبرة والاستيعاب، أو حتى يحملون بين جنباتهم ذات الشغف والقيم والمبادئ.

في هذا الوقت، وبعد عقود من الأسئلة التي ليست تحتمل الحلول، أكثر من أنها شغف للفهم والنضج، نجد أن كل خيار هو قرار، وكل مشكلة أصلها خيار سابق، والأزمات تتشكل من تضخيمنا للأمور والعناد في تحقيق خيالنا ومعتقداتنا، ورغباتنا أكثر منه واقعا حقيقيا. وحقيقة أن التناغم والاندماج في البيئة يُشكل محورا أساسيا لدى معظمنا، يُترجم البعض هذا السعي إلى شغف، والبعض الآخر يرى أنَّ التوازن والتنوير هو النتيجة المتوقعة للشغف، ولكن ليس الجميع على وفاق مع هذا التصور، لأنَّ تفسيره للشغف هو أقرب للتفسير العاطفي عنه التفسير المنطقي؛ لا نستطيع أن ندخل في جدلية محاور الرؤية العاطفية والمنطقية للشغف، لأننا لن نتفق ولكن أعتقد يكفي أن نفهم بعضنا البعض ونجعل الاحترام حبلا للود والتعايش. 

******

سُّمو...

الشغف صناعة وليس بحثًا، إنه قرار أكثر منه خيار، إتقان صياغة الشغف وبلورته يبدأ من قضية عادلة ومنطقية وإرادة واضحة؛ وهذا لا يمنع أن يخفق القلب عند كل ولادة نحو إثبات وجود، فانتقِ جماعة شغفك بحذر.