عُمان.. بين "كورونا" وأوكرانيا

 

د. يوسف بن حمد البلوشي

yousufh@omaninvestgateway.com

لا يخفى حجم التشابه الكبير بين حروف الكلمتين على الرغم من أنَّ الأمر يتعدى ذلك في تأثيراتهما على الاقتصاد العالمي؛ إذ لاحظ الجميع أثر جائحة فيروس كورونا المُستجد وتداعياتها، على مُستوى الحُكومات والشركات والأفراد والأُسر، والتي أثرت سلبًا على توقف الأنشطة الاقتصادية، وبالتالي كساد وانحسار الطلب العالمي، بينما تعرضت سلاسل التوريد والإمداد، بشكل عام، لهزات عنيفة، عصفت بأسعار النفط إلى أدنى مُستوياتها.

أما القراءة الخاصة بأزمة الحرب الروسية الأوكرانية، فإنَّ مُراقبين يتوقعون أن تؤثر سلبًا على الطلب العالمي الكلي، نتيجة لتأثيراتها المُباشرة على سلاسل التوريد والإمداد للكثير من السلع الغذائية والأساسية، خصوصًا إذا ما علمنا أنَّ روسيا وأوكرانيا توردان ثُلث احتياجات العالم من القمح، وكذلك مليارات الأطنان سنويًا من الذرة والزيوت النباتية ومادة الألمنيوم، فضلًا عن النفط والغاز، اللذين شهدت أسعارهما قفزات قياسية فور اندلاع تلك الحرب، الأمر الذي سيكون له انعكاسات كبيرة؛ مُباشرة وغير مُباشرة، وآثار مُختلطة إيجابية وسلبية.

على مُستوى الدول المُصدرة للنفط، ستظفر موازناتها بمداخيل وتدفقات مالية كبيرة، وبالتالي حصولها على آثار إيجابية في الأجلين المتوسط والقصير، في حين أنَّ الدول المُستوردة لهذه المادة، ستُعاني من ارتفاع أسعار السلع والخدمات بدرجة كبيرة، وذلك بالتوازي مع ارتفاع أسعار النفط، مع ما يتبع ذلك من انعكاسات على قطاعات النقل والشحن والتأمين ومُدخلات الإنتاج، فحتمًا سترتفع فاتورة الواردات، التي سيُعاني منها، وبشكل مُباشر، الشركات وأفراد المُجتمع، خصوصًا مع بقاء المداخيل كما هي، فضلًا عن تآكلها، وكذلك التضخم الذي يزداد عامًا بعد عام.

في السياق المحلي، لا نكشف سرًا، إذا قُلنا إن هُناك تآكلا للطبقة الوسطى، والخشية من اندثارها، فضلًا عن انخفاض القوة الشرائية، والدخل المُتاح، جراء العديد من السياسات والأسباب التي يعلمها الجميع، من بينها تداعيات أزمة كورونا، فضلًا عن سياسات الضبط المالي بُغية السيطرة على الارتفاع المطرد للدين العام، وضرورات تحقيق الاستدامة المالية، بالإضافة إلى موجة إغلاق الكثير من شركات القطاع الخاص، وما تبعها من تسريح وتخفيض الرواتب، وكذلك موجة تقاعد من أكمل 30 سنة بالقطاع العام.

مُراقبون يرون أنَّ هُناك ضغوطا تضخمية مُتصاعدة في المرحلة المُقبلة من المتوقع أن تصل نسبتها في سلطنة عُمان إلى ما بين 6 و7 بالمئة في حال طال أمد الحرب الروسية الأوكرانية؛ فالعلاقة بين أسعار النفط والضغوط التضخمية علاقة طردية، خاصة في الدول النفطية، التي تعتمد بدرجة كبيرة على استيراد الكثير من السلع الأساسية والخدمية.

كل تلك الأمور مُجتمعة، تستوجب التنبه جيدًا، ووضع خريطة طريق، وإعداد العدة، بكل ما أوتينا من إمكانيات، للتحوط لتأثيراتها السلبية ومن ثم تشكيل فريق متخصص رفيع المستوى، يكون هدفه الأول والأخير إدارة الأزمة المُرتقبة ومواجهة تداعيات الأزمة الروسية الأوكرانية، ووضع الحلول المُناسبة للتغلب عليها، كما هو الحال مع أزمة كورونا، كما إن الوضع يتطلب ضرورة أخذ إجراءات احترازية استباقية، بهدف احتواء تداعيات ارتفاع أسعار السلع والخدمات، ومُدخلات الإنتاج، خصوصًا على الشركات وأفراد وأُسر المُجتمع، والتي ما تزال تُعاني من تداعيات جائحة كورونا.

من وجهة نظري، من المُهم جدًا عدم ترك الأمور للظروف والاستجابات السريعة لأوضاع يمكن قراءتها من الآن، فهُناك العديد من سياسات احتواء الضغوط التضخمية، وتحفيز الطلب والعرض الكلي في الظروف المُرتقبة. ويأتي ذلك في وقت يُتوقع فيه أن يرفع البنك الفيدرالي (المركزي) الأمريكي سعر الفائدة، الأمر الذي من شأنه أن يدفع البنوك المركزية، التي تعمل وفق سعر صرف ثابت مرتبط بالدولار، إلى اتخاذ إجراء مُماثل، ما يؤدي إلى رفع سعر الفائدة على الشركات والمُستهلكين، وبالتالي تعميق الأثر السلبي على هذه الفئات والدخول في مرحلة انحسار جديدة.

أيًّا كان الأمر، فإنه لا بُد من تعظيم الاستفادة من الوفورات المالية المُتأتية من الإيرادات النفطية، ليس فقط لسد الدين العام، ولكن لتخفيف وطأة ارتفاع الأسعار على الأفراد والأُسر والشركات في المُجتمع العماني، والتي ستبدأ بالظهور في المرحلة القريبة المُقبلة.

وختامًا، نُؤكد ونحن في عصر تتابع الأزمات والصدمات المفاجئة على تعزيز نظام الإنذار المبكر في السلطنة إن وجد واستحداثه وتطويره إن لم يوجد، بحيث يتماشى مع خصائص البلد والصدمات المتوقعة في المجالات المختلفة على سبيل المثال وليس الحصر التعرض للأنواء المناخية، ونسبة التلوث، والأمن الغذائي، وأمن الطاقة، وأسعار النفط، ونسبة الباحثين عن عمل وغيرها بحيث يستطيع نظام الإنذار المبكر إرسال المؤشرات والخطوات الواجب القيام بها والوقت المتاح في حالة قرب وقوع أزمة في الجوانب المختلفة.

أضرع إلى الله جل في علاه أن يحفظ البلاد والعباد من شر الأزمات، ووفقنا الله للتعامل معها.