تفسير القانون بين الانضباط الأخلاقي وفساد الضمير

 

عيسى الغساني

كل التجمعات الإنسانية من أبسطها إلى أكثرها تعقيداً تنشئ لنظام علاقاتها مجموعة من القوانين والأعراف تنظم سير حياة أفرادها وعلاقاتهم مع بعضهم البعض، فالأسرة تنظمها قوانين، والعمل تنظمه قوانين، والسلوك الممنوع تنظمه قوانين، والغاية من كل ذلك هو تحديد الحقوق وتنظيم الحصول عليها وبيان الواجبات المقابلة لتلك الحقوق وضمان القيام بها.

لكن تظل مسألة تطبيق القانون وتفسيره موكلة إلى أفراد يعملون في جهات يقصدها الفرد للحصول على حقه أو القيام بواجب أمره القانون به تجاه المجتمع. وهنا تظهر إلى السطح إحدى مشكلات القانون وهي التفسير لنص قانوني يمنح حقاً، فالنص القانوني في أحيان كثيرة لا يتسم بالوضوح الكافي بخصوص كيفية التطبيق، ويوكل لمن أوتمن على تطبيقه وتفسيره تقديم التفسير الذي يتفق مع الغاية من سن القانون، والغاية فكرة غير مكتوبة يدركها الضمير بكل بساطة وتجرد وتستمد من القيم العليا للضمير الإنساني ومن قواعد الأخلاق.

والحقوق والواجبات تقتضي قواعد للعدالة، تنظم بشكل جلي واضح لا يعتريه اللبس أو الغموض، والغاية من ذلك هي ضبط إيقاع المجتمع وبناء قواعد التعايش السلمي. فالحق بحكم السماء والضمير الإنساني الحي مكفول ومحمول وواجب الوصول إلى من يستحقه وكذلك الحال بشأن الواجب ملزم والقيام به التزام أدبي حماية لحق المجتمع وتماسك كيانه وبناء قواعد احترام القانون واحترام القانون في جوهرة حفظ كرامة الإنسان.

وعند عدم وضوح القانون المنظم للحقوق ومنعًا لتجاوز وتعطيل القانون، يقتضي المنطق والمصلحة، تفسير النص الغامض بقاعدة أخرى ومن الواجب أن يكتب هذا التفسير ولاحقاً يضاف كنص جديد للقانون وذلك بقصد ألا يكون القانون مجالا لهوى فردي أو ميل غير مشروع. ورغم ذلك فإنَّ واقع الحال يشهد في بعض الأحيان تفسيرا شخصيا لنص قانوني بغرض تحقيق مصلحة لايقرها القانون استجابة لرغبة ذاتية أو هوى وهنا تظهرالفجوة بين القواعد الأخلاقية الناظمة للقانون وقواعد العدالة الإنصاف والمساواة وتكافؤ الفرص ومراعاة الفرد الأحق بالرعاية. والتي يستطيع الشخص الطبيعي أن يدركها.

وظاهرة فساد الضمير التي تظهر وتتعاظم عند غياب الرقابة القانونية وكشف انحراف الإدارة وانعدام المسألة لا تؤدي إلى إسقاط الحقوق وتعطيل القوانين؛ بل تعد مقدمة لبناء وتراكم مجموعة من الممارسات غير الصالحة بالصحة النفسية والعقلية لأفراد المجتمع وتخلق وتؤسس لظواهر الصراع نحو مخالفة وتعطيل حكم القانون؛ مما يؤدي إلى الدخول في دوائر اجتماعية ظاهرة وخفية من حلقات الصراع السلبي تتداخل وتعطل تماسك المجتمع وتنميته وتنمي الانفصام الفكري للفرد عن مجتمعه وقيمه وتنشئ حالة افتراضية لهوية غير مُعلنة، تمارس على نطاق واسع تتنوعا من حيث الطرق والأساليب من تجاوز وتعطيل وتضليل وتتشكل بنية فكرية سامة تكون بيئة خصبة لكل الشرور والآثام.

ولكي يستقيم الضمير والواجدان يقتضي الحال أن يكون التفسير محكوما بقواعد أخلاقية وقيم العدالة وأن توكل مهمة تفسير النص إلى جهة ليس لها مصلحة في تفسير النص وأن تكون مراقبة تطبيق القانون وتفسيره موكلة إلى جهة مستقلة تحقيقاً لقاعدة فصل السلطات، وأن  تكون الرقابة المجتمعية أكثر فاعلية وأكثر قبولا؛ لخلق ضمير حي ليس أبكمًا أو أصمًا.