معذرة يا كويلي

سالم بن نجيم البادي

لم يكن الذنب ذنبك كنت ضيفًا عزيزًا وكريمًا، وصفة "الضيف" تمنحك حصانة مُستمدة من هذا التاريخ المجيد لعُمان وأهل عُمان وتقاليد وعادات وأعراف أهل عُمان، التي تُبجّل الضيف وتسرف في إكرامه والترحيب به، وتوفير سبل الراحة له والحماية وصون كرامته ومُراعاة أحواله وظروفه وقضاء حوائجه إن كان الهدف من الزيارة طلب المساعدة أو الحماية من عدو غاشم.

وحين يُغادر الضيف، فإنِّه يغادر معززًا مكرمًا.. معذرة يا كويلي لم تكن مُخطئًا جئت بعد أن أُذن لك بالقدوم، وقد اخبرت أهل الدار مُسبقًا بالقدوم إليهم فيما اسميته بالتنسيق المسبق، وإن كنت لا تحتاج إلى إذن مسبق، فأنت "منِّا وفينا"، ما دمت ابن الكويت الغالية الحبيبة العزيزة علينا، والقريبة من قلوبنا.

معذرة يا كويلي فإنَّ بعض قومنا يستهويهم النقد لأجل النقد، والتعميم وإطلاق الأحكام جزافًا، فكل صانع محتوى هو من أهل "التفاهة"- على حد زعمهم- وهو ومن صنعوه واتباعه ومريدوه وكل الخمسة ملايين من متابعيك هم من "أهل الضلال" حسب ظنهم الخاطئ، إن لم نقل "السفهاء". وفي الحقيقة لا يُمكن أن يجتمع خمسة ملايين على ضلال ولا يجوز تسفيه كل مشهور، فأنت صانع محتوى راقٍ ومحترم، ولا تدعو إلى الرزيلة والفواحش والفسق والفجور.

وقد عهدناك عاقلًا مُتزنًا خلوقًا، ثم إنك لم تجبر أحدًا على الولوج إلى عالمك في وسائل التواصل الاجتماعي، ولم يكن لك يد في جمع كل تلك الحشود في معرض الكتاب، ولا في ذلك الهرج والمرج والصياح والهستريا التي حدثت حولك.

كنت حاضرًا في تلك الساعة وكنتَ لطيفًا ودودًا تحاول أن تجبر خواطر الناس، ولعل خجلك واحترامك لمحبيك وتقديرك لهم وجهلك ربما بطبيعة المجتمع العماني المُحافظ جدًا والحساس جدًا جدًا، حينما يتعلق الأمر بالنساء والفتيات المُراهقات، فهنا كان خطأك الوحيد، كان عليك أن تمنع النساء من الاقتراب منك والتصوير معك من مسافة قصيرة؛ تفاديًا لغضب النَّاس. ومع إنك شاب غرٌ كان تعليقك- بعد أن طردوك- حضاريًا وهادئًا وبعيدًا عن الانفعال والابتذال والغضب، وكان أقرب إلى العتاب الرقيق والدهشة المباغتة!

أعلم أنَّ حُراس الفضيلة والأوصياء على الدين وحماة الأخلاق سوف يطلقون عليّ لقب "محامي الشيطان"؛ إذ أُدافع عنك وأرغبُ هنا أن أخبرهم وأسجل اعتراضي وغضبي وأسفي واستنكاري لما حدث من تدافع وفوضى وصراخ واختلاط النساء بالرجال، كل ذلك يخالف الدين والقيم والأخلاق والأدب، وأرفض ما حدث ولا أرضاه ولا أقره، ولقد كان مشهدًا صادمًا وغير متوقع أن يحدث في عمان!

لكن السؤال: من الملوم هنا هل هو كويلي؟! هل كل المجتمع وكل مُؤسسات التعليم والمؤسسات الدينية وكل الأسر في عُمان؟! وما هذا التعميم والتضخيم لحادثة وقعت من مجموعة- مهما كان عددها- لا تمثل كل أطياف المجتمع العماني!!

ثم هل ما حدث يستدعي كل هذا الضجيج الذي أعقبه وما زال مُستمرًا؟ ووسم "#كويلي" يستقطب المزيد من التغريدات حتى اللحظة!

وهل انتهت كل قضايا المجتمع والعالم حتى نركز على حادثة كويلي؟ وهل نستطيع الاختباء عن هذه الرياح العاتية رياح التكنولوجيا ووسائل التواصل الاجتماعي والانفجار المعرفي وتقارب العالم حتى صار يشبه الحارة الواحدة؟

ثم لنسأل أنفسنا والحكومة والمجتمع والأسر والآباء والأمهات: ماذا قدمنا للجيل الجديد من الأبناء لنصدهم عن الغواية، غواية وسائل التواصل الاجتماعي التي نلعنها ليلًا ونهارًا، ونُحمِّلها كل مصائبنا حين نتحدث عن تربية الأبناء..

إنِّه الولع بإلقاء اللوم على غيرنا ثم ننام ملء جفوننا!

معذرة كويلي، الذنب لم يكن ذنبك وحدك، إنه ذنبنا جميعًا.