الغرب والعنصرية

 

بدر بن خميس الظفري

@waladjameel

 

في عام 1798 للميلاد، نشر البارون جورج كوفييه عالم التشريح الفرنسي وجراح الزعيم الفرنسي نابليون بونابرت، كتابه الأوَّل بعنوان "بحث أوّلي للتاريخ الطبيعي للحيوانات"، جاء فيه النصّ الآتي: "العرق الأبيض، ذو الوجه البيضاوي والشعر المُستقيم والأنف، الذي تنتمي إليه شعوب أوروبا المتحضرة والذي يبدو لنا أجمل من الجميع، يتفوق أيضًا على الآخرين بعبقريته وشجاعته ونشاطه". وأضاف كوفييه: "[هناك] قانون قاسٍ يبدو أنَّه حكم بالدونية الأبدية على أجناس الجماجم المكتئبة والمضغوطة، ويبدو أنَّ التجارب تؤكد النظرية القائلة إنَّ هناك علاقة بين كمال الروح وجمال الوجه".

منذ زمن طويل، يُؤمن معظم الأوروبيين بأنّه بما أنّ الرجل المنحدر من أصول بيضاء هو الأجمل، فإنّه كذلك هو الأذكى والأعلم، وبالتالي فهو يقع في منزلة أعلى وأرفع من غيره من شعوب الأرض وأعراقهم، ونتيجة لذلك فلابد أن يملك حقوقا ومميزات تجعله فوق غيره من البشر الذين هم دونه في المنزلة.

وقد أظهرت الأزمة الأوكرانيّة الروسيّة الحاليّة أنَّ هذه الفكرة ما زالت تُعشعش في عقل الأوروبي، فقد نشرت وسائل إعلام تقارير متعددة تُؤكد وجود تمييز عنصري ضد العرب والأفارقة من جانب الأمن الأوكراني عند الهروب عبر الحدود إلى الدول الأخرى، حيث سمح للأوكرانيين وأصحاب البشرة البيضاء بالعبور، ومُنع أصاب البشرة السمراء والعرب من العبور، مما يؤكد إيمان الأوروبي الأبيض بأحقيته في النجاة أولا، ضاربين بعرض الحائط مبادئهم الإنسانيّة التي صدعوا العالم بها، ودعواتهم إلى أخلاق العدل وعدم التمييز التي طالما رفعوا شعاراتها في المؤتمرات العالميّة، والتي يصدرون تقارير سنويّة حول التزام الدول بها من عدمه، بل ووصل بهم الحال إلى فرض عقوبات على الدول التي يرون أنها غير ملتزمة بمعاييرهم الزائفة.

هذا وقد أحسن البروفيسور مصطفى بيومي صنعًا عندما نشر مقالًا في صحيفة الجاريان البريطانية ذائعة الصّيت في الثاني من مارس 2022 بعنوان "إنِّهم متحضرون ويشبهوننا: التغطية الإعلامية العنصريّة في أوكرانيا"، جمّع فيه ما استطاع من ردود أفعال عنصريّة سواء كانت إعلاميّة أم سياسيّة، وعلى رأسها تصريح تشارلي ديجاتا مُراسل قناة "سي بي إس" الأمريكيّة، الذي قال أثناء تغطيته المباشرة للأحداث هناك: "مع احترامي الشديد، فهذا ليس مكانًا يشبه العراق أو أفغانستان اللتين تشهدان صراعاً منذ عقود، هذا مكان متحضر نسبياً وأروربي إلى حدٍ ما، يجب أن أختار هذه الكلمات بعناية"، وقد علق (بيومي) على كلام المراسل قائلاً: "إذا كانت هذه الكلمات منتقاة بعناية، فلا أتخيل كيف ستكون كلمات ديجاتا التي ينطقها بلا انتقاء".

ثم يورد البروفيسور بيومي، وهو أستاذ اللغة الإنجليزية في كلية بروكلين بنيويورك، مثالا آخر عن مُقابلة أجرتها قناة (بي بي سي) الإخباريّة مع نائب المدعي العام السابق لأوكرانيا، الذي صرّح قائلاً: "إنه لأمر مؤثر للغاية بالنسبة لي لأنني أرى أوروبيين بعيون زرقاء وشعر أشقر يُقتلون كل يوم"، وبدلاً من أن ينتقد المذيع هذه التعليقات العنصريّة أجاب بكل ثقة: "أنا أتفهم وأحترم هذه المشاعر"؛ بل وصل الحال بالعنصريّة والتعصب الأوروبي الغربي إلى السيارات، فقد صرَّح الصحفي فيليب كوربي على قناة "بي أف أم" الفرنسية عن الأزمة الأوكرانيّة قائلا: "نحن لا نتحدث هنا عن فرار سوريين من قصف النظام السوري المدعوم من بوتين. نحن نتحدث عن الأوروبيين الذين يغادرون في سيارات تشبه سياراتنا لإنقاذ حياتهم"!!

وهكذا تتضح الحقيقة لمن كان مُشككًا في عنصريّة الغرب وكذبهم فيما يتعلق بحقوق الإنسان، وهذا ما نبّه عليه سماحة الشيخ أحمد بن حمد الخليلي المفتي العام لسلطنة عمان في تغريدة نشرها على حسابه في منصة تويتر بعنوان "هل وعى المسلمون الدرس؟"؛ حيث قال سماحته إنّه "كان للتصريحات التي أدلى بها بعض الغربيين في بيان الفرق بين المجتمعات الشرقية المسلمة- التي هي في مقاييسهم متخلفة القيم الحضارية فلا تساوي عندهم شيئًا- وبين المجتمع الأوكراني الأوروبي والذي يحرصون على سلامته ومساعدته في محنته؛ ما يدعو أولي العقول إلى الاعتبار". ثم يستطرد سماحته قائلاً: "فمهما حاولوا تضليل العقول بالشعارات الزائفة التي يحملونها ويلوحون بها بين الناس من ديمقراطية وحرية ومساواة- فإنهم يكنون من وراء ذلك ما يكنونه من تحقير المسلمين والاستخفاف بهم، وعدم المبالاة بحقوقهم أو الاكتراث بمصيرهم".

ونحن نتساءل- كما يتساءل سماحة المفتي- عن عقول بعض الذين لا يزالون يٌعلّقونَ على الغرب الآمال، ويرجون منهم أحسن ما يرتجي من كونهم هم المظلة الواقية لهم من جميع الشرور، بعدما تفتحت عقولهم على هذه الحقائق وتبينت لهم هذه الخفايا.

تعليق عبر الفيس بوك