هل يوجد فقراء في بلدنا؟

 

سالم بن نجيم البادي

 

لا يملك ضحي معلومات عن مدى انتشار الفقر عندنا ولا إحصاءات دقيقة عن عدد الفقراء كما إنه لا يحب الجنوح نحو التهويل عند الكلام عن أعداد الفقراء ولا توجد جهة رسمية تتحدث عن الفقر والفقراء.

لكن النَّاس يتكلمون عن وجود فقراء في المجتمع ويستدلون على ذلك بوجود هؤلاء الباعة في الشوارع والطرقات والزوايا ووجود العائلات التي تستحق الزكاة والأسر التي تنتظر مساعدات الجمعيات الخيرية. وأسر الضمان الاجتماعي الذين يحصلون على الإعانة المالية والتي لم تتغير مع التغيرات المستمرة في الأسعار وظروف ومتطلبات الحياة، وكذلك أصحاب رواتب الحد الأدنى (325 ريالا) وأولئك الذين تمَّ تسريحهم من أعمالهم فجأة، بعد أن تورطوا في الديون والالتزامات المالية الأخرى، وفئة الذين يبحثون عن عمل منذ سنوات طويلة، وتلك الأسر المتعففة التي لا يعلم عنها أحد وربما حتى الأشخاص الذين طالهم التقاعد الإجباري، ومن يطلق عليهم أصحاب الدخل المحدود، وهنا سوف نحتاج إلى تعريف من هو الفقير؟!

هل كل من ذكروا أعلاه هم من الفقراء وبالتالي نحتاج البحث عن حلول لتقليل أعدادهم والتوقف عن التسبب في إفقارهم وذلك بوقف التسريح وإيجاد الوظائف ورفع مخصصات أسر الضمان الاجتماعي وكبح جماح غلاء الأسعار والكف عن فرض الضرائب وحث الأثرياء بل وإجبارهم على إخراج زكاة أموالهم، كما يحدث في الضرائب، إن هم رفضوا إخراجها عن طيب خاطر، والطلب من الشركات الكبرى المُساهمة في مساعدة هؤلاء الفقراء في بناء بيوت لهم أو ترميم بيوتهم القائمة أو التكفل بنفقات تدريس أبنائهم في مؤسسات التعليم الخاص، إن عجزت مؤسسات التعليم الحكومي عن استيعابهم أو الالتزام بـ"راشن" شهري لهم.

هنا نتذكر الراحل سعود بهوان- رحمه الله- الذي كان يُوزع الطعام على الفقراء في بيوتهم والتغذية والملابس للطلاب المُعسرين في المدارس، وفي المناسبات والأعياد يدفع لأسر الضمان الاجتماعي مبلغا ماليا مناسبا، يأتي مع راتب الضمان الاجتماعي.

ترد وعلى فترات متقاربة في مجموعات الواتساب دعوات للمساهمة في دفع تكاليف علاج أحد المرضى أو المساهمة في سداد الديون وفك كربة معسر أو دفع فواتير الماء والكهرباء حين يعجز أحد الأشخاص عن دفعها مع التهديد بقطع الخدمة وأيضا لسداد ديون مسجون حتى يتمكن من الخروج من السجن. مثل هذه الرسائل تتكرر كثيرا حتى تساءل أحدهم قائلاً: يالربع شو صاير في عمان؟!

وتصل إلى ضحي عبر حسابه في الانستجرام وتويتر رسائل يأمل أصحابها أن يحصلوا على المساعدات العينية والمالية، ويثبت ضحي هنا بعض هذه الرسائل ومنها رسالة هذه المرأة التي تقول فيها: "‎أنا والله زوجي مُسرَّح عن العمل وأنا أداوم بس راتبي 325 ريالًا ما يكفي لشيء، وعندي بنت ومصاريف وأداوم من مسقط للسويق وسيارتي محجوزة صارلها 3 شهور، وأنا أذهب من الشارع، والله وسيارتي عليها قسط وتأخرت على القسط، ومن قبل كانت معي متأخرات، ودفعت، وباقي مبلغ ما دفعته، وأمس وأنا راجعة حصلت نقطة تفتيش وطلع معي تعميم وأخذتني الشرطة، وكانوا بيحجزوني بس عطوني مهلة لنهاية هذا الشهر، وعندي كل الإثباتات إذا تريد تشوف، وهكذا أنا بخسر وظيفتي وعندي ظروف وأقساط، والسيارة في الحجز لدرجة أن بنتي ما أقدر أصرف لها حليب وحفّاظة والملابس حتى التي تلبسها صارت صغيرة عليها.. بجد ضايقه عليّ ما عارفه ماذا أفعل إذا تقدر تدلني على شخص يقدر يساعدني أكون لك شاكرة"... انتهت رسالة المرأة!

وهذه رسالة أخرى من رجل يقول فيها: "هلا أخي اعتذر عن الإزعاج.. ربي يحفظ لك الوالد، أتمنى منك تساعدني براشن أكل لأسرتي بحدود 70 ريالًا بيتنا فاضي أخي يعلم الله بحالتنا".

تلك الرسائل كانت نماذج لرسائل كثيرة تصل اليَّ، وربما إلى غيري، وموضوعها واحد هو طلب المساعدة، هذا غير الاتصالات الهاتفية من أشخاص يعرفهم يطلبون المال على سبيل القرض، مع الوعود بإرجاع الدين في القريب العاجل، وهو يعلم أن قلة منهم يرجعون المال؛ لذلك ومع أنه يشعر بالإحراج الشديد، يعتذر منهم ويقول لهم "الحال من بعضه". نتكلم هنا عن مواطنين من عُمان وليس من بعض الدول العربية التي ترد منها رسائل مثل هذه الرسائل، ولا تخلو المجتمعات من وجود الفقر والفقراء وبنسب مختلفة، وقد نفهم وجود الفقراء في الدول التي تعاني من الحروب وغياب الأمن والانفجار السكاني وقلة الموارد وعدم الاستقرار السياسي والافتقار للحكم الرشيد والإدارة الفاعلة وعدم الانسجام الاجتماعي مع وجود الصراعات في المجتمع، لكن ما هو عذرنا في عُمان البلد الآمن المُستقر الزاخر بالخيرات ووجود القيادة الحكيمة والتجانس الاجتماعي وعدد السكان القليل جدًا مُقارنة بتلك البلاد؟!

وكدأب ضحي دائمًا هو يثير الأسئلة فقط وهو هنا لا يجزم بوجود فقر في بلادنا ولا ينفي ذلك، لكن إن كان الفقر موجودًا؛ فالسؤال: أين الخلل؟!