عبد الله المشهور.. حامل هموم الوطن والمواطن

عبدالله العليان

عرفتُ المغفور له بإذن الله تعالى فقيد الوطن عبد الله بن حسين المشهور باعمر- رحمه الله- في فترة الطفولة في مُنتصف ستينيات القرن الماضي، وكنَّا قد وعينا على الحياة في مدينة صلالة وضواحيها آنذاك، ويجمعنا اللقاء في مسجد السقاف، وأحيانًا مسجد عقيل؛ وهما قريبان من بعضهما.

وظفار- كما قال عنها الرحالة ابن بطوطة- كثيرة المساجد، وما تزال المساجد تزداد فيها حتى الآن، وكانت الساحة القريبة من هذين المسجدين، ساحة للعب لسكان تلك المنطقة، لكرة القدم والكثير من الألعاب الشعبية الشهيرة آنذاك، ومنها لعبة: "عظم الليل يسري" وألعاب أخرى شعبية، وهذه وجدت لتفريغ وقت الشباب- الصغار منهم والكبار- في غياب الوسيلة الحديثة، والتي كانت في قائمة الممنوعات، حتى كرة القدم مُنعت أيضًا، إلا للأطفال الصغار نسبيًا، وفي تلك الفترة كانت الحياة صعبة للغاية اقتصاديًا وتعليميًا ومعيشيًا، وكانت بداية الأحداث في ظفار بظهور الثورة المُسلحة بجبال ظفار، وكانت فترة عصيبة بكل المقاييس في كل النواحي.

كانت تقع منازلنا قريبة من منطقة السور التاريخية، والتي كانت مقراً للحكم قبل قرون، وكانت أيضًا موقعًا لنشاط السوق من محلات صغيرة لبيع الفواكه والخضراوات، كان عبد الله المشهور يكبرنا أنا وأخي الأكبر، وقد درس في مدرسة الكتاب عند إمام مسجد السقاف، المُعلم علي بن عبد الرزاق باحجاج قبلنا بسنوات قليلة، لكن أخيه محمد بن حسين المشهور زاملنا في مدرسة الكُتّاب حتى أنهينا الدراسة في عام  1966، وكان يُدرَّس لنا بين المغرب والعشاء، تجويد القرآن الكريم وكذلك التفسير، وكان يحضر معنا الراحل عبد الله المشهور. وفي أواخر الستينيات من القرن الماضي بدأت الأوضاع السياسية تشتد في عُمان، ومنها محافظة ظفار بعد قيام الثورة، بسبب الظروف الاقتصادية التي كانت نتيجة لهذه الأحداث وتفاقمها.

في عام 1969، بدأ مئات الشباب في الانتقال من ظفار، وخاصة من ولاية صلالة، وكان من هؤلاء المرحوم عبدالله المشهور، الذي صمم على الخروج من صلالة للسفر عبر جبال ظفار، في أواخر عام 1969 وبداية 1970، وحاول عدة مرات مع بعض الزملاء الخروج عبر بعض ضواحي صلالة القديمة، لكن لظروف الحراسة الليلة عبر الأضواء الكاشفة، تراجع عن هذه الخطة، فقد كانت صلالة مُحاطة بأسلاك شائكة، بعد قيام الثورة عام 1965. وفي النهاية استطاع المشهور وزملاؤه الخروج من صلالة في نهاية المطاف ونجحوا في اجتياز الأسلاك، وبقي في الجبال عدة أشهر، ثم غادر إلى اليمن الجنوبي سابقًا، بعدها سافر إلى الكويت، وكان همَّه مواصلة التعليم، ثم انتقل إلى قطر، ودرس فترة من الوقت هناك، ثم انتقل إلى سوريا للدراسة أيضًا مع بعض زملائه. وبعد التغيير في عُمان وتولي السلطان قابوس بن سعيد- رحمه الله- الحكم، فُتح الباب لمن أنهى المرحلة الثانوية للابتعاث إلى الخارج، وحصل المشهور على بعثة إلى الولايات المتحدة الأمريكية. وبعد العودة عمل في وزارة الإعلام، وتدرج فيها، وعُيِّن مديرًا للإعلام الداخلي، ثم الإعلام الخارجي، إلى جانب العديد من المهام الإعلامية التي كُلّف بها في الثمانينيات والتسعينيات من القرن العشرين. بعدها استقال من وزارة الإعلام، بعد قضاء فترة مهمة من العمل الإعلامي وحركته الدائبة، ومارس بعض الأعمال الحرة في صلالة، وتولى خلالها رئاسة لجنة السياحة في فرع الغرفة بمحافظة ظفار. وبعد تعزيز صلاحيات مجلس الشورى المنتخب، طلب منه البعض- وكنتُ أحدهم- ترشيح نفسه لمجلس الشورى، لكنه لم يُوفَّق في فترتين سابقتين، لكن حصل على أصوات جيدة من جمهور لا بأس به من مُحبيه، وهم كثر.

وفي الدورة الحالية التي أجريت انتخاباتها في عام 2019، بدأت التكتلات أكثر قوة ونشاطًا وحماسًا، لاختيار الأكفأ لعضوية مجلس الشورى عن ولاية صلالة وبقية الولايات، وكان قبلها كذلك كان المرشحون من الأكفاء أيضاً، تناقش البعض ممن يعرفون قدرات المرحوم واهتمامه وإخلاصه في أن يكون صوت الوطن والمواطن في هذه الانتخابات، وكنت أحدهم، فطلبته هاتفياً وقلت له "أود مقابلتك يا أبا هاشم في وقت مناسب لك"، فالتقينا في أحد المجمعات بمنطقة السعادة بصلالة، وقلت له "نريدك أن تتقدم للترشيح لمجلس الشورى في هذه الدورة، وأنت تملك- كما نعتقد- المقومات لهذه العضوية لتكون صوتًا للوطن والمواطن"، قال لي: "والله يا أبا عمر إنني محبط بعد خسارتي للفترات الماضية في الانتخابات، ولا أريد أن أكرر خسارة مرة أخرى، وربما أخسرها". قلت له: "يا أبا هاشم: المرات السابقة كانت لها ظروفها ونقدرها بتلك الظروف، فكما تقول القاعدة الفقهية (والضرورة تقدر بقدرها)، ولكل فترة نتائجها ويتم تقييمها، والآن الجميع وفي كل السلطنة، يسعون لاختيار الأكفاء، وأنت واحد من هؤلاء وتوكل على الله، فوافق رحمه الله وبدأ في إجراءات الترشيح. وبالفعل نجح الرجل نجاحاً باهراً، وكان بحق الصوت الذي لا هم له إلا أن يتّلمس احتياجات بني وطنه، سواء من خلال البيانات الرسمية، أو من خلال عضويته في اللجنة التي هو عضو فيها، أو من خلال وسائل الإعلام، أو وسائل التواصل الاجتماعي، أو في الندوات والمحاضرات، وهذه يعرفها كل عُماني تابع ما يقوله عبد الله المشهور، من شمالها إلى جنوبها، وإن لم يكمل الفترة الانتخابية.

لكن ما قاله وما قدَّمه وما كتبه المشهور، يستحق التقدير والامتنان، والدعوات له بالرحمة والمغفرة، ولن تنساه الذاكرة العمانية كونه ابنًا بارًا بوطنه، وهكذا تكون الأصوات الحرة المخلصة..

رحمك الله يا أبا هاشم رحمة واسعة.