سوق العواطف

 

سالم بن نجيم البادي

في هذا السوق تباع العواطف وتشترى وموقع السوق ساحات مواقع التواصل الاجتماعي وفيه تستباح العواطف وتكسر الخواطر والخسائر فيه فادحة والعواقب وخيمة وخطيرة ورواد هذا السوق يعلمون ذلك ومع ذلك يستمرون في التبضع منه.

العجيب أن يكون من بين الذين يدخلون إلى هذا السوق ثلة من الأفراد البالغين وحتى بعض المثقفين والذين يعرفون خبايا ودهاليز مواقع التواصل الاجتماعي، لكن أكثر ضحاياه هم المراهقون والمراهقات والباحثون عن الحب والحنان والاهتمام ومن يُعانون من الخواء الديني والعاطفي والفراغ ويفتقدون الدفء العائلي والمصائب التي تحدث نتيجة هذا التسوق كثيرة جدًا ومنها التهديد بالفضائح أو دفع مبالغ مالية وقد  يحدث في بعض الحالات تبادل الصور بين الطرفين وتتم المساومة بنشرها فيما بعد إذا حدثت الخلافات وما يتبع ذلك من آثار نفسية عميقة قد يصعب الشفاء منها.

وجل العلاقات العاطفية في وسائل التواصل الاجتماعي هي وهم وسراب ونوايا مبيتة سيئة ومشاعر زائفة وكاذبة ومكر وخداع وتمثيل سمج وتستغل للحصول على المال او مآرب أخرى غير نبيلة، وأن معظم الرجال لا يثقون في امرأة تعرفوا عليها في وسائل التواصل الاجتماعي ويظل هاجس الشك يلح عليهم ولسان حالهم يقول: كما تعرفت عليَّ فلا شك أنها تعرفت على آخرين غيري. وبعض النساء يتبعن طريق الإغراء للاحتيال لجني المال وقد يذهبن من أجل ذلك إلى أبعد حد كما أن بعض المحتالين الرجال يتقمصون دور النساء للوصول إلى قلوب الرجال وبالتالي جيوب هؤلاء الرجال.

وتصل إلى ضحي رسائل تحكي عن قصص الاحتيال العاطفي بعد أن يقع الفأس في الرأس وحين تنجلي الغشاوة وبعد فوات الأوان وحين لا يبقى غير الندم وفي غالب الحالات يكون رده قاسيًا. ويقول لهم: أنتِ الغلطانة، أو أنت الغلطان تستاهل، أو تستاهلين ويصرخ قائلا: ما فيكم عقول وين عقلك كم مرة قلنا لكم لا تورطوا أنفسكم مع المحتالين.

ويذكر هنا نص حوار دار بينه وبين إحدى النساء؛ حيث تقول: هل كتبت عن استغلال الرجل للمرأة حتى تساعده؟ سألها ضحي هل تقصدين أن زوجها يستولي على مالها؟

قالت: لا بل يتعرف عليها رجل من أحد المواقع وتصير بينهم علاقة حب ثم يستغلها لكي تعطيه المال وفي كل مرة يطلب المزيد من المال ويوهمها بالعيش معه وبعد فترة يختفي ويعمل لها حظر.

وقال لها: ولماذا تنساق وراء وعوده الكاذبة وهي لا تعرفه؟

قالت: ربما رحمته وتعاطفت معه.

انتهى حوار ضحي مع هذه المرأة وقد علم أن القصة قصتها وأنها هي الضحية والقصص كثيرة ولايستطيع ذكرها لتفاصيلها غير اللائق ذكرها. وحتى لا يقع الإنسان فريسة للابتزاز والتحايل العاطفي ينبغي عليه التمسك بحبل لله المتين واتباع أوامره واجتناب ما نهى عنه والمحافظة على الفرائض والنوافل وتلاوة القرآن الكريم والتقرب إلى الله بالأعمال الصالحة والتطوع لخدمة الناس واستغلال أوقات الفراغ بما ينفع الإنسان وفي القراءة والمطالعة السلوى والنسيان والهروب من الواقع الذي قد لا يكون مريحًا وممارسة الرياضة وصقل وتنمية الموهبة الموجودة عند الإنسان لشغل أوقات الفراغ ووضع خطط لتطوير الذات والهروب من الروتين والخروج من المألوف والمعتاد إلى آفاق واسعة من النجاح والتميز الذي يقود إلى الاعتزاز بالذات والثقة بالنفس والعمل الجاد والشاق وعلو الهمة والترفع عن سفاسف الأمور وعن العيب والحرام وما يجلب العار والترابط العائلي والحوار والنقاش في بيت تسوده الديمقراطية والانسجام والسلام والمودة والاحترام وحرية الاختيار بعيدا عن القمع والكبت والتهميش كل ذلك يساعد في الابتعاد عن حياة الوهم في العالم الافتراضي الصاخب والضياع في متاهات موغلة في القبح والاحتيال والاستغلال في أبشع صوره لأنه يتعلق بمشاعر الإنسان وعواطفه.

وضحي لا يمثل دور المصلح الاجتماعي ولا يقدم نفسه على أنه المعصوم ويعلم أنه وبعد أن يقع الإنسان في فخ وسائل التواصل الاجتماعي وخاصة إذا وصل إلى حالة الإدمان فإنه يصعب التحرر من العبودية لها إلا بالعزيمة القوية وربما العلاج النفسي، لكنه يأمل أن يتعظ الناس حتى لا يكونوا ضحايا للاحتيال العاطفي.