لجان إدارة الثروة الحيوانية والمراعي بمحافظة ظفار

علي بن سالم كفيتان

كما يقول المثل "أن تأتي مُتأخرًا خيرٌ من أن لا تأتي".. فقد مضى على إصدار قانون المراعي وإدارة الثروة الحيوانية قرابة 18 عامًا، بينما صدرت لائحته التنفيذية في 2005، ولم يُفعّل القانون ولا اللائحة، وطوال تلك الفترة فقدت المراعي آلاف الهكتارات من الأرضي المغطاة بالأشجار والشجيرات، وانضمت لقائمة المناطق المتصحرة في جبال ظفار.

السؤال الذي يفرض نفسه هنا: من الذي عطّل القانون واللائحة طوال تلك الفترة؟ قد لا نجدُ إجابة في الوقت الحاضر، وربما المطلوب منا الآن أن نرحب بالقرار الذي أصدره معالي وزير الثروة الزراعية والسمكية وموارد المياه؛ لتشكيل لجان لإدارة الثروة الحيوانية والمراعي في ظفار بأثر رجعي. ولا يجب أن يُستعمل القانون كمطية لتنفيذ سياسات أخرى ليس لها علاقة بالحفاظ على الثروة الحيوانية وإدارة المراعي بشكل مستدام، ومن هذا المنطلق كان من المفترض على الوزارة أن تُجري دراسات واقعية وحديثة تُعطي أرقامًا شفافة لأعداد الثروة الحيوانية وتوزيعها في جبال ظفار، وتصنيف المناطق حسب مؤشر علمي يُعطي حقائق يمكن الاستناد عليها في تحديد الحمولة الرعوية في كل منطقة. أما أن تأتي الوزارة وبعد كل هذا التأخير وتحض المربين على تسجيل مواشيهم لدى لجان الثروة الحيوانية، فإنَّ مصير الأمر سيكون مثل الحيازات الوهمية التي تصدرها الوزارة مقابل رسم رمزي ودون التأكد من واقع المربي، وهل هو مالك ثروة حيوانية حقيقي ويسكن المناطق الرعوية ويستثمر في هذا القطاع ويعتاش منه؟ أم أن الحيازة تصدر لمآرب أخرى؟!

كان من الأجدى إجراء مسح شامل ودقيق لمعرفة الحيازات الحيوانية الفعلية في جبال ظفار، بحيث تتولد لدى الجهة التي ستنظم هذا القطاع صورة واضحة عن وضع المراعي وحالة الحمولة الرعوية التي سوف تُبنى عليها سياسة الإدارة المستدامة للمراعي، وهذا سيتطلب من الوزارة رفع المستوى الإداري لقطاع المراعي إلى مديرية عامة، بدلًا من قسم في دائرة بالمديرية العامة للثروة الحيوانية، يُناط به إدارة قانون صادر بمرسوم سلطاني ولائحة تنفيذية يقرران مصير عشرات الآلاف من المواطنين المصنّفين كمربي ماشية في مختلف مناطق السلطنة، دون وجود حوافز أو ممكنات لتعويض خسائرهم من جراء الانتقال من مرحلة الرعي المطلق، إلى الرعي المُقنن. وكيف للجنةٍ يرأسها والٍ ومندوبان من عدة جهات بمستوى مدير دائرة وعضوان من المجتمع المحلي، أن تقوم بالأعمال الإحصائية وتصنيف مناطق الرعي وحساب الحمولة الرعوية في كل ولاية وتطبيق قانون معطل منذ 18 سنة؟ ولمن سوف تُمنح صفة الضبطية القضائية بموجب هذا القرار؟

وكما بيّنّا بعض النقاط التي يجب على المؤسسة المعنية أخذها في الاعتبار، ننصح الرعاة بالاستجابة لسياسات التنظيم، مهما كان مستواها أو تأخرها، للحفاظ على ما تبقى من بيئة ظفار، والتريث في عملية الحُكم المسبق حتى تتبين النتائج التي سوف تتمخض عنها هذه اللجان؛ فالاعتراضات المبنية على مبدأ التوجس لن تُساعد في المضي قدمًا لتنمية وتطوير جبال ظفار، التي تهدف الحكومة لتنميتها وإعادة استزراعها بالأشجار المحلية وتنظيم حركة الثروة الحيوانية؛ تمهيدًا لنقل مالك الثروة الحيوانية من مُربٍ يتكبد الكثير من الخسائر إلى مستثمر ينعم بالرفاه الاجتماعي والاستقرار المعيشي، علاوة على الحفاظ على التنوع البيئي الذي تتميز به هذه المحافظة.

لا بُد من الإشادة بالخطوات الجادة التي تبذلها هيئة البيئة من خلال مبادرة زراعة 10 ملايين شجرة بحلول 2030، والبدء بطرح مناقصات أحزمة مكافحة التصحر في جبال ظفار، ومبادرة نثر البذور في مناطق المراعي، والتعاون مع الجهات المعنية والناشطين لمكافحة الحشرات التي تفتك بالأشجار المحلية المعمرة.. كلها خطوات يجب على المجتمع أن يُباركها ويدعمها خلال الفترة المُقبلة، ويستوجب الأمر كذلك دعم الهيئة لإنشاء الجمعيات البيئية في المحافظات لإشهارها وفق الآليات القانونية. وفي إطار الدعم الحكومي كذلك فإنَّ مشروع شركة مروج بدأ استقبال الألبان من الرعاة اعتبارًا من العام 2022، مما يعد رافدًا جديدًا لسياسات دعم المربين في جبال ظفار، في حين تستعد شركة البشائر لإنتاج اللحوم الحمراء بولاية ثمريت لمُراجعة سياساتها بحيث تستقبل المواشي من المواطنين بسعر مدعوم للتخفيف على المراعي وتحقيق الحياة الكريمة لهذه الفئة المهمة من المجتمع؛ مما يجعلنا ننظر بصورة إيجابية لتلك التوجهات حرصًا على نجاحها.. وحفظ الله بلادي.