مشاعر رجل متقاعد.. رغم أنفه!

 

سالم بن نجيم البادي

مشاعر رجل مُتقاعد رغم أنفه، يسردها بنفسه، وقد باح بما لم يرد البوح به في لحظات يأس وقنوط، وهو عزيز النفس يرفض الإفصاح عن مشاعره المكتومة، إلا أنه يأمل أن يجد بعض العزاء والسلوى في الفضفضة عمَّا يعتمل في نفسه.

قال: كنت أفكر في التقاعد، لكن ليس قبل أن أسدد ديوني المتراكمة، حتى جاءت تلك السنة التي كنتُ أحد الذين جرفهم تيار التقاعد الإلزامي، بعد أن أكملت أكثر من 30 سنة في العمل، وعندها نزل الخبر عليَّ كالصاعقة، وفي بدايات التقاعد كنت أستيقظ في منتصف الليل وقد عانيت من الأرق الطويل وفي النهار. أذهب في مشاوير عبثية بلا هدف ولا غاية، فقط أريد أن يمضي الوقت، وأن أنسى وأن انسحب حتى لا اختلق المشاكل مع أطفالي؛ أصغرهم في الصف السابع، وزوجتي، وأغضب لأسباب تافهة".

يضيف الرجل: "علمت أن راتبي سوف يقل، وأن مكافأة نهاية الخدمة زهيدة إذا قارنتها بمكافأة نهاية الخدمة في جهات أخرى داخل البلد، فمثلا تقاعد أخي الأصغر من إحدى هذه الجهات بعد أن أكمل 27 سنة وأخذ مكافأة نهاية الخدمة ضعف مكافأتي، وثلاثة من أقراني تقاعدوا وأخذوا مكافآت مجزية، لا أحسدهم طبعًا على ذلك وكل جهة وظروفها وأحوالها، وهم يستحقون ذلك بناءً على جهودهم والمناصب والرتب التي وصلوا إليها، لكن الفارق كبير وكبير جدًا، وهذا يُفجر براكين الأسئلة في ذهني وليس هذا مصدر قهري الوحيد، بل إنهم الناس وكلامهم، يقولون لي أنت لو رايح مع ربعك في تلك الجهات كان بتحصل مثلهم. وبعدين يا أخي يسدك 30 سنة عمل لا تكون طماع أترك الفرصة لغيرك، يقولون ذلك وهم لا يعلمون بظروفي". ويزيد الرجل في حديثه بالقول: "... ويقولون إنه في إحدى الدول التي يوجد بها بعض معارفي وأقربائي أنه إذا أمضى الموظف 30 سنة في عمله، فإنِّه وعند التقاعد لا ينقص من راتبه بيسة واحدة، ويقولون هذا حظك، هؤلاء زملاؤك قد أكملوا أكثرمن 30 سنة، ولا يزالون في وظائفهم بعد أن نجوا من سنة التقاعد الإجباري". ويقول أيضًا: "لقد دخلت ومنذ تقاعدي في دائرة الإهمال والنسيان، كنت أنتظر رسالة شكر وتقدير ولو على سبيل المُجاملة من جهة عملي العليا، ولو أنهم حتى أرفقوها مع قرار تقاعدي القاسي، وحين تقاعدت هجرني زملاء العمل الذين أمضيتُ معهم أحلى سنوات العمر، ونحن نخدم بلدنا ونواجه التحديات والصعوبات ونفرح بالإنجازات معًا، ونذهب في رحلات ونزهات جماعية، لكن لم يتصل بي إلا قلة قليلة منهم؛ اثنان أو ثلاثة فقط!!" وعندما ذهبت إلى زيارة مقر عملي السابق أغلب زملائي تواروا عني.. اختفوا وانشغلوا بأعمالهم، وكنت أتوقع الاستقبال الحار والقبلات والأشواق والعتاب والحديث عن مرارة الغياب".

"بعد كل هذا أرغب في أن اقترح على الحكومة- واسمحوا لي أن اقترح- وهو تساؤل في قرارة نفسي إن كان مسموحاً لنا مجرد الاقتراح فقط بعد أن انتهت صلاحيتنا.. اقترح: الاستفادة من خبرات المُتقاعدين في شتى المجالات، مقابل مبلغ مالي، ولو كان زهيدًا، واقترح إصدار بطاقة لكل مُتقاعد تسمى "بطاقة متقاعد"، تتيح لحاملها الإعفاء من الرسوم التي تفرضها الجهات الحكومية والعلاج المجاني وتخفيض أسعار المياه والكهرباء والهاتف، ويتم تدريس أبنائه في مؤسسات التعليم العالي الحكومية دون النظر إلى مجموع الدرجات، ويستطيع حامل هذه البطاقة الحصول على تخفيضات في بعض المحلات التجارية الكبرى وشركات السفر والسياحة بترتيبات مع الجهات الحكومية، بجانب مزايا وإعفاءات كثيرة أخرى.. وهذا مجرد اقتراح أو حلم من متقاعد رغم أنفه"!!

انتهت الرسالة.