صوت جدي

 

سارة البريكية

Sara_albreiki@hotmail.com

 

 

كان جدي الشاعر ناصر بن علي البريكي  بحارا في بداية شبابه فقد ركب البحر وسافر إلى البحرين والكويت والإمارات وإيران وقطر وعبر بلدان عدة بحثًا عن الرزق، لكن جدي اشتغل أيضًا في دولة الإمارات العربية المتحدة وقتاً لا بأس به في البحرية وكان أبي في ذلك الوقت في الصف الأول الابتدائي، وقد تحمل جدي عناء تربية أربعة أبناء (أبي وأخواته الثلاث) وحده، فقد انتقلت جدتي أم أبي للرفيق الأعلى أثناء ولادتها بطفلة صغيرة لحقت بها بعد بضعة أشهر.

جدي شاعر كبير رغم أنه أُميّ لا يقرأ ولا يكتب، لكنه يحفظ الشعر عن ظهر قلب هكذا هم شعراء زمانهم يأتي الشعر من القلب ويتدفق في القلب ليبقى ممتدا في الشرايين يجري بمجرى الدم ولا يتوقف إلا بانتهاء الحياة.

عندما كنت صغيرة كنت أنظر إلى جدي بخوف فقد كان صارما وله وزنه كنَّا نخاف إذا وقعنا في خطأ أو افتعلنا المشكلات فجدي سيضربنا وأذكر في إحدى المرات التي كنت فيها مشاغبة جدًا أركض في الحي وجدي يركض خلفي ولا أدري من فاز في السباق إلا أن جدي كان في المقدمة دائمًا تجده في المناسبات الاجتماعية والثقافية والوطنية مشاركاً فعالاً لا يفوته التواجد وكنت آراه يطلب الملح قبل أن يشارك في فن الرزحة يقول جدي إن الملح يجعل صوته أضخم وأوضح وأفخم كنت وقتها لا أعي كل هذا إلا أن الأيام مرت ورأيت جدي يعتني بجدتي خديجة- رحمة الله عليها- أم والدتي، بعد إصابتها بالشلل النصفي وكانت زوجته الثانية رعى جدي جدتي ثلاث سنوات فكان لها الأب والزوج والابن والروح رغم كبر سنه لم يرضَ إلا أن يقوم هو بمراعاتها وهي على سرير المرض فكان يقوم بكل التفاصيل الصغيرة قبل الكبيرة كان وفياً لها وهي في مرضها حتى توفاها الله وحتى قبل وفاتها بدقائق كانت تهذي باسمه (ناصر .. ناصر).

ظل ناصرٌ ناصرًا لكل من أراد مساعدته أو خدمته أو الاعتناء به ناصر ظل مناصرًا للوفاء فقط مرت سنين على وفاة جدتي وهو لم يتزوج بعدها ناصر الشاعر المخضرم الذي تم استضافته في بعض البرامج الشعرية والثقافية حصد يوماً جائزة برنامج أماسي حيث دخل في منافسة شعرية وتوفق بها كرمه مجلس صحم الشعري ضمن مجموعة من شعراء الولاية ظل جدي متنقلا بين منازل بناته ومنزل ابنه الوحيد (أبي) لكنه يحب (أبي) كرفيق لروحه وملاصقًا لسنوات الكد والكفاح وكابنه الذكر الوحيد بعد وفاة عمي محمد الصغير صاحب الثلاثة أعوام والذي توفي على إثر عين ألمت به دخل المنزل وشرب علبة (جاز) ورحل!

تحمل جدي مرارة وفاة زوجته الأولى (أم أبي) وزوجته الثانية وأبنائه مُحمد والطفلة الصغيرة.

وقبل عدة أسابيع سقط جدي وأصيب بكسر في مفصل رجله دخل على إثره المستشفى في حالة حرجة وأجريت له عمليتان جراحيتان؛ خرج منهما بالسلامة والحمدالله، لكن قبل يومين أجريت له فحوصات طبية أخرى لإجراء عملية ثالثة، وتبين أن جدي أصيب بفيروس كورونا أثناء تواجده في المستشفى.

السؤال الذي يتبادر للأذهان من أين التقط جدي هذا الفيروس وهو في مستشفى حكومي تتم فيه الرعاية القصوى والتعقيم والحماية المستمرة؟ لا ندري!

في الختام.. أسأل الله أن يشفي جدي ويمد في عمره وكافة المرضى وأن تمر بسلام، ويبقى صوت جدي يصدح بأجمل القصائد الشعرية وأجمل الفنون الشعبية العمانية كالرزحة والونة والتغرود ليبقى صوت جدي حفظه الله.