الجمز

 

عمرو العولقي

أشرقت شمس صباح جديد وانتفض الجمز (اسم محلي للسحلية)، واقفًا وقام بهز ذيله يمنة ويسرى، رافعًا يديه عاليًا مُعلنًا عن بداية جديدة خطط لها ليلة البارحة. حزم أمتعته من قش وبقايا النارجيل الجاف وغادر جحره الكائن في إحدى زوايا المزرعة.

نادى صديقه الشحبل (الحرباء) قائلًا: "أنا مُغادر الآن سأترك لك هذه المزرعة الكئيبة والطيور المتوحشة التي تهددنا كل يوم ولن أصبح وجبة لها بعد اليوم". الشحبل مقهقها: "إلى أين عزمت الرحيل؟". الجمز: "إلى بيت كوماري التي تخدم لدى عائلة أبو سعيد، لقد عاينت المكان ولديهم الكثير من الطعام اللذيذ".

- "هه هه هه.... أرجو أن تعجبك الإقامة هناك "!

أسرع الجمز متسللا بين الأعشاب والشجيرات وهو يدندن بأغنية، (ما بلاش نتكلم في الماضي.. الماضي ده كان كله جراح" (مع الاعتذار لعمرو دياب).

وصل لزاوية بيت أبو سعيد فشرع ينظف نفسه ببقعة ماء متجمعة تحت صنبور مياه الحديقة فتقلب فيها هازا ذيله وجسمه استعدادا لدخول البيت.

تسلق الجدار إلى أن وصل لشق بين النافذة والجدار فحشر نفسه حتى وصل إلى المطبخ، واتسعت حدقتا عينيه حينما رأى العصيدة (وجبة شعبية) ملقاه أمامه في صحن  وراح يقفز فرحا قائلا "يا حلاوة الدنيا يا حلاوة، عصيدة وقطميم " (القطميم نوع من أنواع السمن البلدي).

انطلق بسرعة متسلقًا الجدار، إلى أن وصل إلى جحر في مجمع الكهرباء المهترئ ورأى بعض العناكب المعششة في المكان فصرخ فرحًا "مقبلات قبل الغداء"!!

التهم تلك العناكب وقام بتنظيف المكان من الشباك ووضع أمتعته في بيته الجديد. وبعد تلك الوجبة السريعة انبطح على ظهره ولم يستطع منع ابتسامة الانتصار التي لم تفارقه منذ دخوله ماسحًا بكلتا يديه على بطنه "حسنا إنه وقت القيلولة".

أفاق الجمز بعد سويعات جائعًا، وتذكر أنَّه في بيته الجديد ولن يقلق بعد الآن من المُفترِسات وقلة الطعام. أخرج رأسه من الجحر متفحصًا المطبخ العصيدة ما زالت في مكانها، فانطلق إليها وبدأ بالتهام الوليمة العظيمة، وبينما هو كذلك سمع خشخشة خلفه. التفت إلى الخلف وصدم مما رآه! إنها جمزة جميلة جدًا!

تراجع للخلف مُفسحًا لها المجال محادثًا نفسه: "لم أكن أتوقع أن تغيير البيت سيجلب لي الأمان والأكل وزوجة صالحة"! فبادرها قائلًا "هل تسكنين هنا؟ ما اسمك؟". ردت الجمزة "أنت صاحب النارجيل الذي يسكن في المزرعة المجاورة أعرفك جيدًا. كنت تسرق بقايا الطعام من حاويات القمامة".

امتعض قليلاً ونظر إليها ببراءة "لم أرك قبلاً ولكني سعيد بلقائك هل أنت متزوجة؟". ضحكت بصوت عالٍ "أنت مجنون! أنا لا أتشرف بوجودك هنا ارحل من هنا، تفوح منك رائحة النارجيل وأنا لا أحبها". رد الجمز بصوت حزين "كنَّا سنبني أسرة سعيدة في مجمع الكهرباء".

ومن بين الصحون المكومة على الطاولة، ظهر جمز عملاق اقترب منه مُهددًا "يا صاحب النارجيل من سمح لك بمحادثة زوجتي أخرج الآن وإلا نزعت ذيلك عنك وألقيت بك للطيور في الخارج".

أطرق الجمز رأسه مُعلنًا هزيمته وفر هاربًا إلى الغرفة المجاورة؛ حيث استقر داخل الدولاب محاولًا إيجاد حل للمعضلة.

دخلت كوماري غرفتها وهمت بتبديل ملابسها، وحين فتحت الدولاب سقط الجمز عليها فصرخت مستغيثة وتخبطت إلى أن أسقطت الجمز على الأرض وولت هاربة منه. ارتطم الجمز بالأرض بقوة أدت لانفصال ذيله، مصيبة أخرى لم يكن يتوقعها.

سحب ذيله والدموع تنهمر على خديه محادثًا نفسه: "لا زوجة ولا بيت ولا ذيل.. سلامي على النارجيل والشحبل".

تعليق عبر الفيس بوك