التعايش الديني في الهند.. هل أصبح على المحك؟!

 

سالم بن نجيم البادي

تربطنا نحن في الخليج العربي روابط قوية مُوغلة في القدم بالهِند روابط تاريخية وثقافية وتجارية واجتماعية ومنذ القدم كان النَّاس يسافرون إلى الهند للتبادل التجاري يبيعون ويشترون سلعاً متنوعة وكثيرة مثل التوابل والأقمشة والأرز والنحاس والفضة والعاج واللؤلؤ والأحجار الكريمة والملابس المنسوجة والحناء واللوز والأعشاب الطبية والحرير والبخور والعطور والتمور وأدوات الزينة.

وقلّما يوجد تاجر كبير في الخليج إلا وسافر إلى الهند وكذلك أهل السياسة والأدباء والشعراء وبعض الفنانين الذين يذهبون لتسجيل أغانيهم هناك وأبناء العائلات الغنية كانت الهند قبلة كل هؤلاء وكانت السفن تمخر عباب البحار من الخليج متجهة صوب الهند ذهاباً وعودة.

العلاقات بين الخليج والهند تعود إلى الألف الثالث قبل الميلاد خاصة مع حضارتي دلمون ومجان، ولا يسعني هنا تتبع العلاقة الممتدة من ذلك التاريخ إلى اليوم وإلى عهد قريب؛ حيث كانت العملة الهندية الروبية سائدة في بعض دول الخليج.

والمعلوم أن العلاقة بين الهند ودول الخليج أصبحت أكثر رسوخا في جميع المجالات في الوقت الحاضر وأنه في 2018 كان يوجد أكثر من 8 ملايين هندي يعملون في الخليج، في جميع المهن تقريبًا؛ فمنهم الباعة والخياطون والحلاقون والطباخون والعاملون في المنازل والمزارع والسائقون وفي التجارة والبنوك والشركات الكبرى. كما إن حجم التبادل التجاري بين الهند ودول الخليج ضخم، فقد بلغ بين عامي 2020 و2021 نحو 115 مليار دولار منها 28 مليار صادرات الهند إلى دول مجلس التعاون، و87 مليار دولار صادرات دول مجلس التعاون إلى الهند، هذا غير التحويلات المالية الكبيرة التي يرسلها الهنود الذين يعملون في دول الخليج.

ومنذ أن كنا صغارا وجدنا الهنود وهم يعملون في محلات البقالة في الحارات والقرى وفي المطاعم والمخابز ومحلات بيع الفواكه والخضراوات والأسواق، وفي كل مكان، ولا أنسى ذلك الهندي اللطيف الذي يمر وقت الظهيرة بين البيوت على دراجته الهوائية وهو ينادي بأعلى صوته "آيس كريم.. آيس كريم"، فنهرع إليه نحن الأطفال لنشتري منه الآيس كريم، والبائع المتجول الذي يسمى "ليلام" وهو يطرق الأبواب ليبع الأقمشة والعطور ومستلازمات النساء بأسعار زهيدة.

والهندي يوسف أول عامل جلبه أبي ليعمل في مزرعتنا منذ سنوات طويلة. ولقد سافرت إلى الهند ووجدت أن أعدادا كبيرة من أهل عمان يذهبون إلى الهند للعلاج والسياحة والتجارة أو للزواج؛ حيث يذهب بعض كبار السن للبحث عن زوجة. كان هذا في فترات زمنية سابقة، ولا أعلم إن كان زواج العمانيين من هنديات مُتاحًا حتى الآن، بعد أن حدثت إشكاليات أدت إلى احتجاز بعض العمانيين في الهند بسب الزواج من هنديات. ونذكر الأفلام الهندية التي تجد رواجًا وقبولًا لدى الناس وتبث عبر شاشات التلفاز ودور السينما على مدار العام، وما تتركه في وجدان الناس من آثار اجتماعية وثقافية في دول الخليج العربي.

لقد ترك الهنود أثرهم على كل شيء تقريبا في الخليج في اللغة والثقافة وحتى الملابس الرجالية مثل الوزار الملباري والملابس النسائية من ناحية الألوان ونوع القماش وكذلك الطعام مثل العيش البرياني والدال والسمبوسة وغير ذلك من الأطعمة والبهارات.

واليوم يكثر الحديث عن دور الهنود في اقتصاد بلدنا فهم أصحاب شركات أو مديري بعض الشركات الكبرى والمراكز الكبيرة ومحلات بيع الذهب، وما يشاع عن تفضيلهم أبناء جلدتهم في الوظائف ذات الرواتب المجزية وتعامل البعض منهم مع الموظف العماني بشيء من الحدة، وهنا نؤكد أنَّه لا يمكن التعميم، فليس كل الهنود يفعلون ذلك.

كل تلك المقدمة الطويلة كانت لبيان الاحترام والتقدير والمصالح المشتركة بين الشعوب المسلمة العربية في الخليج وبين الشعب الهندي لكن يلاحظ في هذه الأيام بعض التصرفات التي أتمنى أن تكون محدودة وغير ممنهجة تجاه المسلمين الهنود؛ حيث تتوالى الأخبار والصور التي تظهر اضطهاد المسلمين في الهند وتزايد العداء والتحريض وخطاب الكراهية والعنصرية والتمييز ضدهم.

ويظهر أحد الإعلانات لبيع النساء المسلمات في امتهان واضح وصريح للنساء المسلمات في الهند، وآخر هذه الممارسات منع دخول طالبات مسلمات إلى إحدى الكليات الحكومية بسب ارتدائهن الحجاب، وظهرن وهن يتوسلن ويبكين خوفًا من ضياع مستقبلهن، إذا منعن من تأدية الامتحانات.

وتلك الفتاة المسلمة المحجبة الشجاعة التي تشق طريقها بثقة إلى الكلية التي تدرس فيها وهي تُردد "الله أكبر.. الله أكبر" وسط مضايقات مجموعة من المتطرفين؛ لأنها مسلمة ومحجبة.

أخبرني أحد المسلمين الهنود عن حالات عنف وتعذيب وقتل تحدث للمسلمين الهنود بين فترة وأخرى من قبل جماعات هندية متطرفة، والناس هنا يتعاطفون مع المسلمين في الهند إخوانهم في العقيدة ويتضامنون معهم. ولا ننسى قضية المسلمين في كشمير والبحث عن الحلول المناسبة لها عوضًا عن القمع وإراقة الدماء.

وإذا استمرت هذه السلوكيات ضد المسلمين في الهند واتسع نطاقها ولم تعالجها السلطات الرسمية، فإن الديمقراطية في الهند والتي توصف بـ"العريقة"، سوف تكون محل شك، كما إن التعايش الديني الذي هو صفة من صفات المجتمع الهندي سوف يكون على المحك.