مستقبل الاستثمار الاجتماعي

حاتم الطائي

◄ مفهوم الاستثمار الاجتماعي يحتاج لمزيد من البلورة والتطوير

◄ تحقيق التنمية المستدامة يجب أن يكون أبرز أهداف الاستثمار الاجتماعي

◄ ندعو لتبني استراتيجيات داعمة للاستثمارات الاجتماعية وفق مرتكزات مهنية

نقاشات مُثمرة ومُستفيضة شهدها المُنتدى العُماني للشراكة والمسؤولية الاجتماعية في دورته الخامسة التي حملت عنوان "مُواطنة الشركات.. شراكة إيجابية ومسؤولية فاعلة"؛ إذ ربما تكون هذه المرة الأولى في عُمان التي تشهد مناقشة هذا الموضوع من هذه الزاوية، نظرًا لأنَّ مفهوم "مواطنة الشركات" ما زال في مراحله الأولى بالسلطنة، ولذلك مثّل المُنتدى فرصة كبيرة لاستشراف مستقبل الاستثمار الاجتماعي، خاصة في ضوء التحديات والأزمات التي قد يمر بها الوطن، ولنا في جائحة كورونا وإعصار شاهين المثل.

ومفهوم الاستثمار الاجتماعي في حد ذاته، ما زلنا نعتقد أنه بحاجة لمزيد من البلورة والتطوير، فالأمر لا يجب أن ينحصر في النطاق الضيق لمشاريع هي أقرب للتكافل الاجتماعي ومساعدة الفقراء- وهم يستحقون بلا شك- بدلًا من مشاريع تنموية تخدم شرائح أكبر من المجتمع، لا سيما خلال وقوع الأزمات والمراحل التي تليها. وعلى مدى عقود مضت وربما حتى الآن، لم تكن المسؤولية الاجتماعية تتجاوز مفهوم توزيع الإعانات أو الإسهام في بناء مجلس عام أو تقديم جوائز للفائزين في فعاليات محلية، لكنَّ الأزمات التي توالت خلال العامين الماضيين شهدت طفرة في تنظيم الاستثمارات الاجتماعية للشركات، وخاصة الكبرى منها، ففي ظل جائحة كورونا شاهدنا شركات تبرعت لحساب المتضررين من الأزمة، سواء لتوفير المستلزمات الطبية والعلاجية أو لتقديم الدعم لطلاب المدارس الذين تحولوا إلى التعليم عن بُعد إلكترونيًا دون أن يكون لديهم أي جهاز يُساعدهم على ذلك، فوجدنا شركات تتبرع بحواسيب وأجهزة لوحية. لكن مع الأسف الشديد، ظلت هذه المبادرات محدودة التأثير والفعالية، رغم استفادة البعض منها. وهنا نناقش فكرة تعظيم العائد من الاستثمارات الاجتماعية، فالأمر لا يجب أن يتوقف عند المنح والعطاء؛ بل يمتد لما هو أبعد من ذلك وتحقق فيه صفات الاستدامة، فبدلًا من منح عشرات أو حتى مئات الطلاب ما يُساعدهم فقط في عام واحد أو عامين، على الشركات أن تساهم بصورة أكبر في خدمة المجتمع من خلال العمل على بناء المدارس أو ترميم المتأثر منها بالأنواء المناخية، وخير مثال على ذلك ما شهدته ولاية الخابورة من تأثيرات عنيفة نتيجة "إعصار شاهين"، فالطمي الناتج عن الأمطار الغزيرة ووصول مياه البحر إلى اليابسة، تراكم بالأمتار في مدارس بعينها، ولم تعد المدرسة تصلح لأي محاولات أهلية أو بلدية لإزالة المخلفات، وبات الأمر يستدعي تدخلًا لكبرى شركات المقاولات كي تتدخل بما تملكه من إمكانيات ومُعدات كبيرة. والأمثلة لا حصر لها للتأكيد على أهمية الاستثمار الاجتماعي في مساعدة الدولة لتحقيق التنمية الشاملة والمستدامة.

ولذلك خرجت توصيات الدورة الخامسة من أعمال المنتدى العماني للشراكة والمسؤولية الاجتماعية، بالدعوة أولاً إلى اتخاذ ما يلزم من خطوات لترسيخ مفهوم "مواطنة الشركات"، مع اقتراح استصدار دليل استرشادي لأسس وأولويات الاستثمار الاجتماعي وفق الاحتياجات المحلية في كل ولاية، فإذا ما تلمسنا احتياجات الولايات من التنمية وساعدنا الحكومة في تنفيذها، تتحقق بذلك الشراكة المأمولة، وتتعاظم أهداف المسؤولية الاجتماعية أو بالأحرى الاستثمار الاجتماعي كما ذكرنا. وهذا يتطلب من الشركات أن تضع خُططًا مُستقبلية لمشروعات المسؤولية الاجتماعية وفق أُطر واضحة المعالم  تُحقق أكبر قدر من المنافع، وتعتمد على الشراكات مع مكاتب الولاة والمحافظين، خاصة في ظل الصلاحيات الجديدة الممنوحة للمحافظين.

واستهداف "غايات اقتصادية من مشروعات الاستثمار الاجتماعي لتحقيق التنمية الشاملة"، عمل نبيل ينبغي أن نسعى إليه، وهو ما تضمنته توصيات المنتدى، فعلى الشركات الساعية للاستثمار الاجتماعي أن تضع مستهدفات تسعى للوصول إليها وفق برامج مرحلية على قاعدة الأهم فالأقل أهمية، وهكذا، مع الحرص على تبادل الخبرات والتجارب والأفكار التي تُعزز من تطور مواطنة الشركات، وعلى رأسها مواءمة أهداف مشاريع المسؤولية الاجتماعية مع الخطط والرؤى الوطنية للدولة، مثل رؤية "عُمان 2040"، وكذلك الخطط الخمسية والمشاريع التي تكشف عنها الجهات المعنية كل عام.

وختامًا.. إنَّ بناء استراتيجيات شاملة للاستثمار الاجتماعي وفق مرتكزات مهنية وهيكلية واضحة وإدارة محكمة، من شأنه أن يعزز مسيرة التنمية الشاملة والمستدامة، وبما يلبي التطلعات التي ينشدها المجتمع، وتسعى إليها أيضًا الشركات الكبرى؛ إذ لا غنى عن الاستثمارات الاجتماعية كي يتحقق النماء والرخاء وينعم المجتمع بحياة مُزدهرة على المستويات كافةً.