هل لدينا بيئة استثمارية جاذبة؟

 

د. يوسف بن حمد البلوشي

yousufh@omaninvestgateway.com

 

تقع عُماننا ضمن إطار إقليمي مُعقد في تفاصيله، ويشهد تنافسًا مُحتدمًا في جذب الاستثمارات الأجنبية، وتحفيز الاستثمارات المحلية، والدفع بقاطرات التنويع الاقتصادي؛ الأمر الذي يستوجب البحث المُتأني في جينات البيئة الاستثمارية العُمانية لإكسابها الجاذبية المفقودة.

فإلى جوارنا، هُناك دولة الإمارات العربية الشقيقة، بما تمتلكه من خبرات مُتراكمة في التعامل مع الاستثمار، وسلاسل التوريد، وأيضًا المملكة العربية السعودية الشقيقة، ذات الاقتصاد الضخم، والسوق الواسع، والتعداد السُكاني الكبير، فضلًا عن دولة قطر، التي تتميز بمستوى دخل مُرتفع، والذي يُعد الأول على مُستوى العالم.

وبلدنا العزيز، أمام استحقاقات وتحول حتمي في نموذجه التنموي، القائم بشكل أساسي على إيرادات النفط والغاز، والتي وفرت للحكومة العوائد المالية اللازمة للقيام بمُختلف أدوار الاستثمار والتوظيف، وغير ذلك. لكن المُتغيرات المُتسارعة في أنماط استهلاك النفط والغاز، وظهور الطاقة المُتجددة، قللت من فُرص الاعتماد المُطلق على هذا المورد، المُعرّض للزوال، فضلًا عن تراجع أهميته النسبية. كما إن التغيرات الديموغرافية، وتزايد الداخلين لسوق العمل، يجعل من الصعب استيعابهم، وفق النموذج القديم، أي القائم أو المُعتمد على الحكومة، واستيراد السلع والخدمات والعمالة وتصدير المواد الخام.

ويتفق كثيرون على أنَّ أبرز خصائص النموذج المأمول لسلطنة عُمان، وغيرها من الدول النفطية، هو النموذج القائم على تعظيم القدرات المحلية، والدفع بملفات الاستثمار والإنتاج والتصنيع والتصدير، وجميعها تستوجب بيئة أعمال تختلف عن تلك السائدة في النموذج الحالي. فالنموذج التنموي المُستهدف يسعى إلى تنويع وتوسيع القاعدة الإنتاجية، وتكبير حجم الاقتصاد، القائم على الاستثمار، وليس على الاستهلاك. وكما هو معلوم، فإن الاستثمار، بأنواعه المُتعددة، ينساب كالماء في الأرضية المُمهدة وبيئة الأعمال الجاذبة والمحفزة.

ولضيق المساحة، سأقتصرُ في حديثي على 4 عناصر رئيسة من بين عناصر أخرى لأي بيئة أعمال جاذبة للمُستثمر؛ سواء أكان محليًا أم أجنبيًا، والتي يُطلق عليها عوامل وعناصر ومُرتكزات البيئة الاستثمارية.

العامل الأول: يتمثل في رأس المال وتوفره بالتكلفة والاشتراطات المُناسبة، وهنا نشير إلى أن السلطنة تُعاني من عدم توافر التمويل؛ فالتقارير التنافسية تُشير إلى أن هُناك تأخر في هذا العنصر المهم، والذي بدونه لن تبدأ عملية الاستثمار، والإنتاج، والتحول المنشود. والمُستثمر، بشكل عام، لا يستثمر 100 بالمئة من رأس ماله، ولكن يعوّل الكثير على الأوعية الاستثمارية والمُدخرات المحلية للأفراد والشركات، حيث يأتي المستثمر بالتكنولوجيا وأفضل المُمارسات، ويفتح الأسواق، وينتظر إكمال مشروعه بالتعاون مع مُستثمرين آخرين وتمويل محلي. وهنا أشير إلى واحدة من سلبيات الجهاز المصرفي العُماني، ألا وهي صغر حجمه، وتفضيله للعب على المضمون، وتركيزه المُفرط في التعامل مع الحكومة وموظفيها وشركاتها، تاركًا تمويل العملية الإنتاجية والشركات الصغيرة والمُتوسطة لاشتراطات صعبة، وسعر فائدة مُرتفع، هو الأغلى في المنطقة. إلى جانب الدور المحدود لبورصة مسقط، ناهيك عن "ضيق" نطاق تغطية بنك التنمية العُماني، والذي لا يتناسب مع التحولات المنشودة لإطلاق طاقات الإنتاج في جميع القطاعات.

العامل الثاني: يتمثل في توافر الأيدي العاملة، بالتكلفة والمهارات المطلوبة، في وقت يُعاني فيه سوق العمل العُماني من تشوهات غير مُؤاتية؛ إذ إنَّ نحو 90 بالمئة من العمالة الأجنبية، والتي تُمثل 85 بالمئة من العاملين في القطاع الخاص، تحمل مؤهلات دبلوم عام فما دون! وذلك يُصيب التنافسية والابتكار في مقتل، إضافة إلى أن 85 بالمئة من العمالة الأجنبية، تتركز في 3 جنسيات آسيوية، ميلُها الحدي للاستهلاك ضعيف، وتحول مُعظم دخولها إلى خارج دورة الاقتصاد المحلي.

العامل الثالث: الإدارة والأُطر المعمول بها في القطاعات المُختلفة، وأهمية تثقيف المُتعاملين من الجانب الحكومي بأهمية الاستثمار، والأخذ بأيدي رجال الأعمال، واعتبارهم شركاء في بناء الوطن وازدهاره.

العامل الرابع: تكلفة وتنافسية الأعمال على المُستوى الجزئي للشركة؛ وهو مُحصلة لتكلفة الخدمات والضرائب والنقل والتأمين والنفاذ إلى الأسواق والحصول الميسر على رأس المال والعمالة، وغير ذلك من عناصر تكلفة.

وبشكل عام.. بيئة الأعمال ما هي إلا منظومة مترابطة ومتشابكة من الممارسات ومُحصلة للعديد من العناصر والمكونات ولا يمكن فصل أي جزء منها عن الآخر وتترجم من خلال السياسات العامة وسلاسة الإجراءات والتكاليف المرتبطة بها، والقدرة على تفعيل الاتفاقيات؛ مثل: اتفاقية التجارة الحرة مع الولايات المتحدة الأمريكية، والاستفادة من بعض التطورات، كتلك المُرتبطة بفتح ممر بري مع المملكة العربية السعودية، والتي تُعتبر صاحبة الاقتصاد الأضخم في المنطقة.

وتمثل سرعة اتخاذ القرار، وتوقيته المُناسب عنصرًا مهمًا في بيئة الأعمال، ومحليًا ما زالت ديناميكية القرار بطيئة، وكذلك جاهزية البنية الأساسية المحلية ومدى قدرتنا على تهيئة الظروف لتعظيم الاستفادة منها، قبل أن تتقادم، وأقصد في حديثي هذا: الموانئ والمطارات والطرق والموارد البشرية، وغيرها.

ختامًا.. إن الوصول إلى بيئة أعمال جاذبة مرتبطٌ بشكل كبير بتغيير الذهنيات الملتصقة بالنموذج الريعي، وأننا بصدد التحول إلى نموذج جديد يتطلب- منِّا كأفراد في المجتمع ومن شركاتنا ومن الحكومة ذاتها- أدوارًا جديدة وآليات وممارسات جديدة. ونؤكد أن إغفال أيٍ من عناصر البيئة الاستثمارية، إغفالٌ للبيئة الاستثمارية برمتها.