"هانا أردنت" وجذور الكراهية والعنف

 

عيسى الغساني

هذا الطرح يتعاطى مع الكراهية كشعور أو تصرف نحو فرد أو جماعة أو جنس، بدون سبب سوى أنه مختلف، بدوافع آيدلوجية أو فكرية متعصبة تخالف القيم الإنسانية والأخلاقية التي أجمعت عليها البشرية بعرفها وعادتها من تعايش واحترام وعدالة ومساواة وتجريم الاعتداء بكل أنواعه ومشاعر الكراهية، ليست سوى اختلال فكري تنتجه ظروف تاريخية معينة.

وتعد هانا أردنت من أبزر مفكري القرن العشرين إذ عايشت الحرب العالمية الثانية، وتراجع قيم الديمقراطية وقيم التعايش الإنساني، ووضعت تصورا فكريًا عن مفهوم القوة الفاعلة والتي تنتج الكراهية وتكمن الخطورة حين يتبنى الفريق الذي يحكم مفاهيم السُّمو والتفوق ويفرضها على المجتمع بقصد تغيير نظام التفكير والسلوك العنيف بغية إقصاء وتهميش المخالف. ولدت الكاتبة الألمانية هانا أردنت في 14 أكتوبر 1906م ورحلت في 4 ديسمبر 1975، وتعد من أكثر المنظرين السياسين شهرة وحضورا في القرن العشرين وأطلق عليها وصف الفيلسوفة بحجة أن الفلسفة تتعاطى مع الفرد.

لكنها رفضت وصفها بالفيلسوفة، ووصفت نفسها بالمنظرة السياسية لأنَّ عملها يتمحور حول أن البشر جميعاً لأ الفرد يعيشون على الأرض ويسكنون معًا مما يقتضي مبادئ أخلاقية مشتركة تحكم العيش المشترك .عاشت حقبة النازية والفاشية والستالينية، وشهدت ما خلفته هذه النظم من ماسٍ إنسانية، واستخلصت قراءتها في كتاب أصول الشمولية، حللت فيه آيدلوجيات النظم الشمولية، ورغم أنَّ الاعتقاد السائد بأنَّ هذه الآيدلوجيات تعود إلى الماضي . ألا أنَّ عودة النظم الشمولية، شكلت نكوصا فكريا في التاريخ الأوربي، وظاهرة لم تكن متوقعة في تلك الفترة من الزمن.

وبينت أردنت أن الفكرة لم تكن جديدة لكنها خاملة وسمح الوضع السياسي والاقتصادي بظهورها مرة أخرى، وخطورتها تكمن في التمازج بين الحزب الحاكم والدولة وامتد ليشمل كل المجتمع، وخلق آيدلوجية متطرفة ألزم المجتمع بها، وأشد معايير هذه الآيدلوجية عقدة التفوق والسُّمو لعنصر ما، وماعداة من البشر أقل مرتبة وليس لهم حقوق متساوية، وهنا تنشأ الكراهية والإقصاء للآخرين، وانتهاء قيم التعايش السلمي والتسامح.

وتذهب أردنت إلى أن كل البنى والمؤسسات السياسية تمثل وتجسد القوة المادية القادرة على الفعل سواء كان إيجابيا أو سلبيا بمقياس المعايير الكونية الأخلاقية. لكن هذه القوة تقل وتضمحل عندما تقل أو تكف القوة الحية للناس عن الإيمان بما هو إيجابي وأخلاقي، بها، فيحدث الفراغ للنقيض والذي تختطفه مجموعة تملك قدرة الدفع ومن ثم تفرضه قسرًا على المجتمع فيفقد المجتمع قدرته على الرفض ويلتزم القبول. وهنا يكون تعريف القوة المادية الإيجابية، بأنها القيم الإنسانية للجماعة والتعايش والتنوع وليس الإقصاء والتهميش. وبصورة أخرى القوة الاجتماعية الإيجابية الفاعلة هي الاتفاق الطوعي في تنظيم ووضع قواعد ممارسة الحياة الاجتماعية بشتى صورها من واجبات وحقوق أصيلة لايمكن المساس بها أو تغييرها وعدم السماح وتقنين استحالة تعطيل أو إلغاء قيم التعايش الإنسانية ومنع ووأد التناقضات والخلافات والصراعات التي تمزق وحدة الكيان الاجتماعي والإنساني.