فاطمة هبيس الكثيرية

يتوهم البعض أنَّ الرُّقي هو التقدم في وسائل العيش المُختلفة، لكن هذا مفهوم قاصر؛ فالرقي هو مجموعة التصرفات الأخلاقية والسلوكية التي يجب أن يتمتع بها الجميع.

الرقي الأخلاقي هو كل ما نُؤمن به في قرارة أنفسنا ونستمده من ديننا الحنيف. وهناك الرقي الفكري النابع عن ثقافتنا وتفكيرنا. أما الرقي السلوكي هو كل التصرفات الصادرة عنَّا في المواقف المختلفة والتي تدل على رقينا من عدمه. وديننا الحنيف هو منبع كل الرقي؛ فلو تأملنا الآيات الكريمة والأحاديث الشريفة وسيرة النبي محمد وآل بيته وأصحابه لوجدنا أنَّ كل أنواع الرقي تتمثل في ديننا فهو دين الأخلاق.

فالرقي ليس أن نملك مالاً أو جاهاً أكثر من غيرنا؛ فلبس الماركات العالمية أو اللبس على آخر موضة دون وعي ليس هو الرقي. الرقي هو لبس ما يليق بي وبديني ويتناسب مع عاداتي وتقاليدي؛ فاللباس المحتشم الذي يعبر عن ديني وهويتي هو قمة الرقي. فلو تأملنا سيدات الطبقة الراقية كالأميرات مثلًا سنُلاحظ التزامهن بلباس محتشم حتى إن كنَّ غير مُسلمات فليست الخلاعة والتعري برقي بل هي الانحطاط الأخلاقي والديني بعينه. كما إنَّ الهدوء في المشي والكلام الواضح المعتدل الذي ليس بصراخ ولا برود زائد وانخفاض يجعل المستمع غير قادر على فهم ما تريد قوله يدل على أن الشخص تلقى تربية جيدة.

والتعالي على الآخرين والاستخفاف بآرائهم والنقص من قدرهم ومحاولة السيطرة على كل الأمور والإجحاف بحق الغير وعدم الاعتراف بقدراتهم وإنجازاتهم ومكانتهم إنما يدل على عدم رقيك وانعدام ثقتك بنفسك والإحساس بالنقص ومعرفتك في قرارة نفسك بتفوق هذا الشخص عليك في مجال من المجالات المختلفة. كما إن التدخل في ما لا يعنيك وفي حياة الآخرين دليل على قلة رقيك فيقول المثل: (من تدخل في ما لا يعنيه يجد ما لا يرضيه) فقد تضع نفسك في حرج شديد أو تعرضها للكلام الجارح الذي أنت في غنى عنه. وطريقة جلوسك تدل على شخصيتك، فجلوسك واضعًا قدمًا على قدم أمام من هم أعلى منك منزلة أو أكبر منك عمرًا يدل على استخفافك بهم، وقد يعتبره البعض إهانة شخصية.

ومقاطعة الشخص قبل أن ينهي كلامه يدل على أنك لا تعرف معنى الرقي، كما أنَّ دخول البيوت دون الاستئذان ثلاثاً من أصحابها يدل على أنَّك لا تعرف تعاليم دينك وهذا بالتأكيد لا يدل على أيِّ رقي. وأيضًا الزيارات المُفاجئة دون الاتصال وتحديد وقت الزيارة يوضح عدم رقيك، فقد يكون الشخص مريضًا أو مشغولاً أو لديه موعد مهم وزيارتك في هذه الحالة ستكون ثقيلة وغير مرحب بها.

الأمر يطول في هذا، لكن باختصار الرقي هو احترام الآخرين وعدم التدخل في خصوصياتهم وتقدير من هم أقل منك منزلة أو أعلى منك أيضًا، فكل شخص يحب أن يشعر بأهميته مهما كان وضعه؛ لذلك يجب الانتباه لكل تصرفاتنا مع الغير والاهتمام بالجميع دون مُغالاة أو تكلف. دُمنا وإياكم متمسكين بأخلاقنا الراقية النابعة من تعاليم ديننا الإسلامي وأخلاقنا العربية الأصيلة.