أرواح نادرة عظيمة

 

د. عبدالله بن سليمان المفرجي

بعض البشر يمتلكون أرواحاً نادرة جداً تجدهم بمظهر مُتواضع لكنهم بمحتوى باهظ وراقٍ، يمتلكون كنز الصبر والمثابرة والتشجيع والتحفيز لمن حولهم والكفاح والعمل الدؤوب، فهم مصابيح قليلة لكنَّ نورهم يضيء الكون بأكمله، يرددون دائما أريد أن يقول عني من يعرفني بأنَّه كان ينتزع الأشواك ليزرع الورد أينما ظن أنَّه سينمو.

لذلك تجدهم عظيمي الهمة يجدون متعتهم في ركوب المخاطر، ومسامرة مشاق الزمان، واحترام الإنسانية ويجدون متعتهم وسلواهم فيما يصادفونه من المصاعب من أجل الوصول إلى القمة ومُعانقة المجد ومصاحفة الثريا وبلوغ أعلى ما يُراد؛ لا يبحثون عن الأضواء ولا التصفيق والتهليل، فالمكارم غالبًا ما تكون محاطة بالمكاره، والأخطار الجسام والعبور إليها يكون على جسر شاق من المتاعب والمهالك، وقد قيل قديمًا: ذو الهمة إن حُطَّ فنفسه تأبى إلا علواً، كالشعلة في النار يصوبها صاحبها، وتأبى إلا ارتفاعاً، وأسمى المطالب وأنبل المقاصد وأشرف المكاسب، ما كان لإعلاء كلمة الله واكتساب علم ونشر معرفة ورفعة للوطن والمحافظة على مكتسباته.

شكرًا لكِ أيتها الروح العظيمة فقد استخرجت الدرر ونسجت خيوط الهمة والنشاط وفق تناسق وتناغم بين متطلبات الإدارة المشبعة بالمعاني النفسية والمادية التي تتكسر عليها أحداث الليل والنهار والمشكلات اليومية التي تعوق الرتابة طريقها وتئد الطموحات الكبيرة والبعيدة، فتذللت برؤيتكم الثاقبة الصعوبات بتوفير حلول جذرية ونوعية مُستدامة لا تخضع لمتغيرات الأنماط الإدارية وأسلوبها المُتغير، وعلى إثركم أستيقظ بجهودكم المبدعون العباقرة ورسموا دررًا منثورة وسبائك مدفونة ولآلئ ثمينة وتفوقوا على أقرانهم وبزوا معلميهم وخلانهم وعكفوا على صيد الدرر وانتقاء النفيس من المعاني والجديد من المعارف والعلوم فأضحوا يشار لهم بالبنان يقصد بابهم وينشر كتابهم والعود في أرضه حطب." من لا يتفوق على معلمه يكن تلميذا تافها" [ليوناردو دافنشي] "المعلم هو الشخص الوحيد الذي يجعلك لا تحتاج إليه تدريجيا" [توماس كاروترس].

وإِذا أَرادَ الله نَشْرَ فَضيلةٍ

طُويَتْ أَتاحَ لها لسانَ حَسُودِ

لولا اشْتِعالُ النار فيما جاوَرَتْ

ما كانَ يُعْرَفُ طِيبُ عَرفِ العود

همم كأن الشمس تخطب وُدّها

والبدر يرسم في سناها أحرفا.

البصمة الجميلة تبقى وإن غاب صاحبها. قال تعالى: (واجعل لي لسان صدق في الآخرين). لذلك جاور من يصنعُون فِي رُوحك نوافِذ خضراء وزهُور عبِقة فِي كُل مَرة، ‏مَن يقولون لك إنّك تستطِيع ‏وإن فِي وسعك أن تُضيء العَالم ففي آخر النّفق نور يسطع ينتظرك؛ فروعة الإنسان ليست بما يملك بل بما يمنح الآخرين من عطاء للوصول للقمة، فعلى قدر عطائك يفتقدك الآخرون.

 يحتاج الإنسان إلى فترة يُريح جسده وعقله من روتين الحياة ليعيش حياة جديدة، يكون هو نفسه سيد قراره ووقته وموقفه. وتلك هي مرحلة جديدة من العطاء المفعم بالخبرات وأسرار المعارف وكنوز العلوم التي جمعها المرء طوال حياته التعليمية والمهنية والاجتماعية وهي -بلا شك- تأتي كمرحلة علاج ومحطة استراحة تشفي الروح مما علق بها من ضغوطات وقواصم للظهر ومؤثرات وأَحمال عانى منها مهما كان وضعه، فهي حياة طالما انتظرها البعض بفارغ الصبر ليكمل ويمارس ما لم تسعفه أوقاته القيام بها. هنا تجد الإلهام والتحفيز كبلسم رقيق لكل ألم اجتاح روحك وسكن قلبك، وزلل جوراحك، وعرقل سير طموحك سيأخذك هذا العالم الجديد إلى أيام جميلة وساعات سمو وصفاء، وحياة أكثر هدوءا واستقرارا، وأكثر نضجا ووعيا بما يحدث حولك، سوف تعيد ترتيب ملفاتك المبعثرة وأولوياتك المتأخرة، وتتفطن إلى مواطن قوتك وتستند عليها، حينها ستتعلم البقاء "صامدا" بلا انهزام أمام الأحداث المؤلمة المتوالية، فلا يأس مع الحياة ولا استسلام أمام الظروف القاسية والضربات الموجعة. باختصار ستكون الشخص الذي تستحق أن تكونه، أقدامك على الأرض الراسخة وطموحك يلامس عنان السماء ولسان حالك يقول "لو وقف رجل أمام جبل وعزم على إزالته لأزاله" (ابن القيم) قيل لنابليون بونابرت: يوماً إن جبال الإلب شاهقة تمنع تقدمك قال: "يجب أن تزول من الأرض". فأعين العظماء متعلقة دائماً بهدفها وغايتها النبيلة السامية ينسجون أحداث قصة مكتملة الأركان تصبح أسطورة تتلى على مر الصعور والأزمنة، فعش عظيما

فلو كانت هناك طريقة سهلة بدون تعب وكدح ومشقة توصلك للنجاح، لما احتاج أنبياء الله- عليهم السلام- إلى تلك الصور التي سطرتها سجلات الزمن وأسفار الصحف من التعب والكفاح المضني للوصول برسالاتهم السماوية إلى أن تصل إلى قومهم، لذلك ثق بأنَّ الأصل هو التعب والسقوط والهزيمة في بعض جولات الحياة ومسارحها، لكي نتعلم من كل هزيمة أو سقوط أو خيبة أمل أو إنكسار أن نكون أكثر صلابة في السابقات المتقدمة من الحياة، فليست كل العواصف تأتي لعرقلة الحياة، بعضها يأتي لتنظيف الطريق.

تعليق عبر الفيس بوك