الترقية بأثر رجعي

 

هلال النعماني

لا شك في أن للترقية أهمية بالغة في مسيرة الموظف المهنية، وهي من الأدوات الحيوية التي تستخدمها المؤسسات لتطوير وتنمية قواها البشرية للدفع بها للمزيد من الإنتاج والإبداع والنهوض بالمؤسسة إلى مصافي المؤسسات المتقدمة في تخصصها في دينامكية مستمرة تقودها عقول خلاقة قادرة على الإنجاز، وهذه العقول وتلك السواعد التي تكدح في أي مؤسسة بحاجة إلى محفزات، وتأتي الترقية على رأس قائمة ما تمنحه إدارة العمل لموظفيها.

وحديثنا في هذا المقال سينصب على الموظف العام في الوظيفة العمومية، التي هي الوسيلة القانونية لتنفيذ توجهات وسياسة الحكومة ومعيار تقدمها والمقياس الحقيقي لمدى تطورها؛ حيث يعد الموظف المرآة العاكسة للدولة والشخص الذي يشغل المركز القانوني الذي يؤهله لأداء وظيفة معينة في نطاق تنفيذ تلك السياسة والممثل الحقيقي للدولة، لكنه يحتاج إلى تحفيزات مادية ومعنوية، فالمرتبات والعلاوات والمكافآت عناصر ذات أهمية كبيرة للموظف وهي حقوق ثابتة قانونًا له، لكن الدولة دائما تهدف إلى التطور والتقدم مع الأخذ بعين الاعتبار وضعية موظفيها خلال مسارهم المهني وإعطائهم جرعات لمردودية أكثر تتمثل أساسا في ترقيته من درجة أعلى منها أو من رتبة الى رتبة أعلى منها، ومن هذا المنطلق تحرص كل دولة على وضع نظام لتنظيم شؤون الموظفين وسير العمل في أجهزتها المختلفة.

سلطنة عمان كغيرها من الدول اتخذت من الترقية وسيلة مهمة لتحفيز الموظف فأصدرت التشريعات المنظمة لها، ومارستها كسلوك إداري رفيع، ووضعت لها شروطا لاستحقاقها، ولقد أسهب كل من قانون الخدمة المدنية ولائحته التنفيذية في تفاصيل استحقاق الموظف للترقية، ولكنهما سكتا عن مدة بقاء الموظف في الدرجة الواحدة كحد أقصى، مما جعل الباب مفتوحا على مصراعيه للحكومة في تحديد المدة التي يقضيها الموظف في الدرجة وأتاح لها أريحية تامة في إصدار قرار الترقية دون أن تواجه أي ضغط قانوني يلزمها بالترقية مهما كانت الظروف، وهذا الأمر له وجهان أحدهما إيجابي للطرف الأول وهو الحكومة والوجه الآخر سلبي بالنسبة للموظف الذي عليه أن ينتظر سنوات عديدة من القحط والجدب يقلب وجهه إلى السماء لعلها تمطر فتنبت الترقية وارفة الظلال يتفيأ في ظلها الوارف.

كلنا نعلم الأزمة المالية الخانقة التي مرت بها البلاد وتداعياتها المؤلمة على الوطن والمواطن مما حدا بالحكومة تأجيل العديد من الاستحقاقات غير المُلِّحة، وكانت الترقية ضمن ما تم تأجيله رغم اتفاق الجميع على أهميتها، وفور بدأت البلاد تتنفس الصعداء وتخرج من أزمتي تراجع أسعار النفط وكورونا وسرت في أوصالها بشائر ارتفاع أسعار النفط والانحلال التدريجي لغمة كورونا بادر سلطاننا المفدى والأب الحاني على شعبه- حفظه الله ورعاه- بإصدار توجيهاته السامية بترقية موظفي الحكومة ترقيات وتعينات 2011.

والموظفون محل الترقية أمضوا في درجاتهم حوالي 11 سنة، وفي هذه المدة الطويلة يفترض أن يستحق فيها هؤلاء الموظفون أكثر من ترقية؛ حيث جرت العادة أن تتم ترقية الموظفين كل أربع سنوات عندما توفر الاعتمادات المالية، والعادة محكمة كقاعدة كلية كبرى لها اعتبارها شرعا ما لم يرد نص صريح يعارضها.

وبالنظر إلى جدول الدرجات والرواتب الموحد للموظفين العمانيين نجد أن معظم الموظفين الذين تمَّت ترقيتهم قد استوفوا نهاية المربوط لدرجاتهم، وتقتصر الزيادة في بعض العلاوات وهي جلها بسيطة وخاصة في الدرجات الدنيا من جدول الرواتب، ومقابل صبر الموظف لمدة عقد من الزمن دون الترقية فإن من واجب الحكومة حفظ حقه وتعويضه عن بعض السنوات التي مرت من عمره الوظيفي، من خلال ترقية الموظفين بأثر رجعي لأربع سنوات مضت أو ثلاث سنوات على الأقل، وهذا الإجراء إذا اتُخذ، سيوثق العلاقة بين جهة العمل والموظف وسيسهم بشكل إيجابي في إنتاجيته، وسيقضي على حالات التذمر والشعور السلبي الذي يكتنف بعض الموظفين؛ حيث سيجعل الموظف مطمئنا أنه مهما طالت مدة انتظار الترقية فإن حقه محفوظ فيها، وبالتالي سيتشكل نوع من العلافة الوطيدة والتكاملية بين الموظف وجهة عمله.

ومنذ إنشاء صندوق الأمان الوظيفي واستقطاع 1% من الراتب الكلي للموظف أصبح المتغير السنوي لراتب بعض الموظفين بالسالب؛ أي بدل ما يحصل على زيادة سنوية في الراتب يجد أن راتبه قد نقص من حيث القوة الشرائية، وهذا الأمر له من التداعيات على حياة الموظف وعلى دافعية الإنتاج لديه.

لذلك الذي نقترحه على الحكومة في سعيها الدؤوب في تطوير منظومة العمل في البلاد أن تهتم بالمحفزات المادية لتكون واقعا ملموسا للموظف، وأن تبسط له يد التكريم والعطاء في وقت اليسر؛ فهي أهلٌ لذلك وهو مستحق.

تعليق عبر الفيس بوك