ما بين الثلاجة والكتاب!

 

منى المعولية

 

لن أطالب بإيقاف إعلانات الثلاجة ولن أطالب بتكبيل الحريات، ولن أقترح ضبط سلوك البشر على مواقع التواصل الاجتماعي؛ لأننا في حياة مفتوحة ومجتمعات متدافعة، ومشاعر متضاربة وآراء مختلفة، وزمن متدفق وهذه الحياة العبثية تحتمل كل الاختلافات؛ ففيها الغث وفيها الثمين وفيها البخس وفيها النفيس ولكن..

لي عتب أستحضر أسبابه في هذا المقال المرتاب من كل شيء!

كيف للمُحتويات الهزيلة (من وجهة نظر السواد الأعظم في المجتمع) أن تقفز إلى أعلى درجات المشاهدة وتتصدر صفحات التخاطب، وأسمع ثغاءها (على اعتبار أن الجميع استفزته) يتسلل إلى أذني من كل شخص قريب يحمل هاتفه، أراها شغل الناس الشاغل وقضية اليوم وتعصيرة المساء والسهرة، إن هذا مؤشر لشيء آخر هو أكثر خطورة، أن تلك المحتويات التي نمقتها، هي سريعة التأثير فينا وتستطيع أن تتسرب كقضية مصير، ونحن الذين أساسا أهملنا جُل قضايانا المصيرية وانخرطنا نناقش وننظر في قضايا السيرك والمهرجين وقضايا الساحة الفارغة من أي مضمون ملموس عدا لحظات ترفيهية للبعض وانتقادية للآخر وعابرة للبعض وأخلاقية للآخر.. ولكن!

لديّ من الغيرة الكثير كما هي موجودة في روح كل فردٍ منكم من رجل وامرأة؛ تلك الغيرة التي تتمنى من الجميع التعاقد والتهادن والتعاضد والتواطن، لكي نجعل الفائض مما يخرج من تحت أيدينا هو المحتوى الإبداعي والمحتوى الذي يحمل رسائل الاستنارة والانفتاح تلك الرسائل التي بين أعماقها تخبرك دون أن تنطق، عن هويتك وثقافتك.

نعم أنا أتمنى ولو بمقدار النصف من نشر تلك المحتويات غير الهادفة أن ننتصب مُكافحين لها بنشر مقاطع من أمسية ثقافية أو أمسية شعرية، أو ربما ولأننا في مجتمع متنوع الميول والثقافات، أن نتداول مقاطع من خطب دينية.

لا أرى العالم والمثقف والدكتور والشاعر والكاتب والناشط في هموم البشر وغيرهم من النخبة يستطيع أن يصل بذات القوة التي وصل فيها بعض المشاهير بالشهرة الفارغة المترفة، إذن ليس علينا إقصاؤهم فالإقصاء سيدفع بهم للصراخ والوصول إلى الجميع وقد ينالون التعاطف وكما قلت لأننا مجتمع مختلف التوجهات والآراء ولكن علينا أن نُواجه كل ذلك بمحتوى قوي ومخالف.

لقد آن الأوان للاستنفار وتظبيط اتجاه البوصلة وقيادة دقل السفينة نحو الصحيح؛ إن هذا الدور يعول على المنازل لأنها النواة التي ينبثق منها المرء وفيها يتأسس، لكن هناك دور معول على المدارس أيضاً ودور أكبر يتوجب على الجامعات والكليات والأندية، استنهضوا المحتويات الثقافية واشغلوا الشباب بها، علينا التوجيه للوعي لا التلقين، علينا تكريس مناهج المنطق، علينا أن نشغل أبناءنا بالبحث عن الثمين لكي يكون الوعي والانفتاح هو تربية جذرية متجذرة في أساسات الشباب وأحد مكونات حياتهم البيئية وأن تكون القدرة على التمييز بين المحتوى الركيك والمفيد هو أسلوب حياة.

علينا أن نمنطق أفكارهم لا أن نقيدها ولا أجد اليوم أداة أكثر وصولا من الإعلام الاجتماعي البديل، ولكن للأسف إن التقصير يمتد منا كمربين وكمسؤولين ومؤسسات تعليمية ومجتمع، لهذا وجب الوقوف وقفة جادة لتقويم المسار بأن تقوم كل جهة وفرد بدوره التربوي والثقافي والحض والتشجيع والدعم على الابتكار والتحفيز وتوجيه كل تلك الطاقات المهدورة في مواقع التواصل الاجتماعي إلى سهام قاصفة لكل محتوى ترفضه السجية المعرفية والرزانة والوعي.

تعليق عبر الفيس بوك