من أساء لقيم الحق؟!

 

 

حين خلط الأخوان الدواعش بين الإرهاب والمقاومة

د. رفعت سيد أحمد

من بين أخطر النتائج لزمن فتنة الأخوان الدواعش في مصر وغيرها من البلاد العربية التي أبتليت بهم بدءًا من 2011 وما زالت حتى اليوم، فتنة الخلط المتعمد بين قيم "المقاومة" وبين قيم "الإرهاب" وفي ذلك أكبر إساءة لقيم الحق والتي أستقرت تاريخيا.

لقد قام الدواعش والأخوان بارتكاب أعمال إرهاب خطيرة في سوريا ومصر وليبيا والعراق، ومن شدة وقاحتهم وجرأتهم على الحق، أسموها بأعمال مقاومة، فأيُّ مقاومة تلك التي يذبح ويشرد فيها المواطن (أيًا كانت ديانته ومذهبه) وأي ثورة تلك التي صُنعت في أروقة أجهزة الاستخبارات الدولية والإقليمية؟ وإلى أي دين وقيم يستند هؤلاء لإسقاط "الدول" وخلق الفتن بداخلها؟ إنه قولا واحدا "الإرهاب" وقد زُيف اسمه وأصبح يسمى بينهم باسم "الثورة" و"المقاومة"، وهي قيم بريئة من كل هذا العنف والعلو، وقد صار في ركب الأخوان الدواعش نفرٌ من المثقفين المنافقين تعمدوا الخلط بين الإرهاب والمقاومة، ولايزالون يتعمّدون تشويه كل عملٍ مقاوِم حقيقي، والتقليل من شأنه، بحُكم أن نفرًا منهم ما زال مُلتحقًا بأنظمة حُكم تابعة أو صديقة للأخوان الدواعش، وهؤلاء يتعمّدون الإساءة للمقاومة العربية في لبنان وفلسطين تحديداً ويصرِّون على نعتها بالإرهاب لأنها (أو أغلبها لا تسير في فلك الأخوان الدواعش).

وابتداءً نودّ التأكيد أن هكذا مُثقّفين لا يجوز عقلاً وواقعاً أن نطلق عليهم لفظ "مُثقّف"؛ لأن الأخير لابدّ وأن يكون مقاوِماً ورافِضاً للظلم وللتبعية والفساد وللإرهاب الداعشي، وإلا لما استحق أن تُطلَق عليه صفة المُثقّف، ولعلّ في المقولة الخالِدة الموحية للصديق الشهيد القائد الدكتور فتحي الشقاقي المؤسّس والأمين العام لحركة الجهاد الإسلامي في فلسطين، حين سُئِل أثناء مُناظرة معه ما هو تعريفك للمُثقّف فقال تعريفاً بليغاً أظنه الأنسب هنا، قال (إن المُثقّف هو أول مَن يُقاوِم ..وآخر مَن ينكسِر)، هذا هو المُثقف إذا أردنا أن نفهم ما يجري حولنا وما يقوله البعض من الخلايا النائمة للأخوان الدواعش ضد المقاومة العربية.

 

وإذا ما انتقلنا إلى تعريف صحيح للفارِق بين المقاومة والإرهاب وفي هذه الأجواء المُلتبسة، والتي يُثار فيها مُجدّداً موضوع "الإرهاب" وتتناقله الأفواه والأقلام، كلٌ يحاول أن يُدلي بدلوه تعريفاً أو تنظيراً، ولعلّنا نتذكّر في هذا السياق ذات يوم في الألفية الأولى عندما جاء جورج بوش الابن ليصبّ الزيت على النار عندما قال قولته النازية الشهيرة موجّهاً تحذيره لقادة العالم أجمع "إما أن تكونوا معنا أو تكونوا مع الإرهاب"، ساعتها صار لفظ الإرهاب مَبعَث رهبة وفزع لعروشٍ وكراسي حُكم، كما لأقلامٍ وعقولٍ كانت دائماً ولا تزال تتماهى في علاقة "عشق" مع أجهزة ودول صديقة للأخوان الدواعش.

فى هذا المناخ شديد الاختناق، صار من المطلوب، أن تتداعى النخبة المُلتزمة وطنياً وإسلامياً، لكي تضع هي بنفسها تعريفها المُحدَّد لكلمة "الإرهاب" وأن تبذل قُصارى جهدها في بلورة وتحديد ماهية المفهوم بعيداً عن الإرهاب الأخواني والداعشي والمعوم من أجهزة مخابرات دولية وإقليمية ممّن أرادوا أن يسجنوا عقولنا في ركنٍ ضيّقٍ من منظورهم هم للمُصطلح.. لقد آن للنخبة العربية أفراداً وهيئات ولجاناً أن تبادر بتقديم رؤيتها خالصة مخلصة مُفرّقة فيها بين المقاومة المشروعة ضد المحتل (نموذج فيتنام من قبل وفلسطين ولبنان من بعد وبين الإرهاب ضد المدنيين العزَّل).

وفي هذا الإطار، نودّ أن نقول: نحن بداية نعرّف الإرهاب بأنه ذلك "الفعل الهمجي غير المُنظّم الذي يستهدف تحقيق مصالح سياسية عبر استهداف مدنيين عزّل، وأنه يندرج من حيث مُستخدميه من إرهابٍ فردي إلى إرهاب جماعة أو فئة أو حتى طبقة، إلى إرهاب دولة بكاملها وأن توسّله لتحقيق أهدافه دائماً يكون عبر أساليب غير كريمة تقوم على التفزيع والغدر والعنف الأعمى، وهو يؤدّي إلى حلقاتٍ متتاليةٍ من إرهابٍ مُضادٍ يستتبعه إرهاب جديد وهكذا. (وخير مثال على ذلك هو الإرهاب الأخواني الداعشي خلال الفترة من 2011-2021).

أما المقاومة فهي مشروع استنهاض ومواجهة للظلم بجميع أشكاله وللاستبداد بجميع أنواعه الفردية أو الطائفية أو الحكومية، والمقاومة عادة تتوسّل الأساليب النضالية الكريمة لتحقيق أهدافها، وليس الأساليب الداعشية الإرهابية وهي حين تنطلق تبني لها خطاباً شاملاً وإنسانياً، غير مُتصادِم مع حقائق التاريخ والواقع. المقاومة فعل مُلزِم حين تُحتَل الأرض أو تتعرّض الكرامة الإنسانية للإذلال أو تُغتَصب الحقوق وتُهان المُقدّسات.

وفي موروثنا الإسلامي، المقاومة مطلوبة لمواجهة أعداء الله وأعداء الأمّة "وأعدّوا لهم ما استطعتم من قوّة ومن رباط الخيل ترهبون به عدو الله وعدوّكم"، والتحريض على المقاومة والمواجهة لهؤلاء الأعداء فريضة قرآنية "يا أيّها النبي حرّض المؤمنين على القتال" والذي هو في قمة فعل المقاومة التي تبدأ بالكلمة المُحرّضة الشاحِذة للهِمَم وتنتهي بالنضال المُسلّح.

وفي واقعنا المُعاصِر، صارت المقاومة للمشروع المعادي والمحتل للأرض وكذلك الممارس للعنف والإرهاب والاعتداء على قيم الحق والخير في أمّتنا، فَرْضَ عين على كل مَن يقدر، وفي المكان الذي يستطيع سواء في مصر أو سوريا التي أبتليت بالإرهاب الداعشي أو في فلسطين التي هي مركز المقاومة العربي المعاصر بإطلاق أو في لبنان أو غيرهما، والمطلوب منا كمُثقّفين نُخَب أن نبادر ومن الآن بإعداد العدّة لمشروع مقاومة طويل النفس نواجه به عصر ما بعد الأخوان الدواعش والمتأمريكين الحلفاء معهم والذي بدأت ملامح انهياره تسطع في أكثر من موقع عالمياً.

السؤال اليوم للنخبة التي تتصدّى بالفكر وبالكلمة لخيار المقاومة: هل تستطيع هذه الطليعة المُثقّفة التي يتقاطع ضمير ثقافتها مع قضايا الأمّة السياسية والحضارية أن تقود مشروعاً جديداً للمقاومة السياسية والثقافية الواسعة يتجاوز الخلافات، ويتمسّك بالثوابت ويستفيد من دروس مرحلة ما سُمّي زيفاً بالربيع العربي التي حرفت البوصلة بعيداً عن فلسطين، ومكّنت للعدو الخارجي من فرض مزيد من القهر والخوف والإرهاب في بلادنا العربية؟

إنه سؤال برسم المستقبل وبرسم كل مَن لايزال مُقتنعاً بمقولة فتحي الشقاقي الخالدة بأن "المُثقَف أول مَن يقاوِم وآخر مَن ينكسِر"، والتي قالها ذات يوم في دمشق قلب العروبة النابِض، ولا يزال لكلماته ذات المعنى ولدمشق نفس القلب العروبي النابض الذي انتصر ولا يزال يؤكد انتصاراته على الإرهاب الداعشي الأخواني، وكما جرى في مصر بعد 2013 حين انتصرت الدولة في مواجهة زارعي الفتن من الأخوان والدواعش الذين أساءوا بإرهابهم "المُعولَم" لقيم الحق والمقاومة.