جريح الخبز

 

 

‏راشد بن حميد الراشدي

عضو مجلس إدارة جمعية الصحفيين العمانية

 

كم من جريح للخبز يئن صدره ولا نعلم شكواه وكم من متأزم مكلوم في عيشه لا نعلم فحواه وكم من متعفف عزيز النفس لم تمتد للآخرين يداه وكم من جائع يسكن العز قلبه ونفسه فيما تمناه؟!

إنها أقدار الله وحكمته التي أنزلها على عباده ليمتحن صبرهم ويختبر تصرفاتهم وينزل عليهم من رحماته. وقصة جريح الخبز قصة حقيقية حدثت أمام مخبز قام صاحبه بوضع صندوق لجمع الخبز ولمن أحب التبرع فيه وهو عمل إنساني جميل وله أثره الطيب في نفوس المتصدقين والمحتاجين.

لكنني اليوم أروي قصة حدثت أمامي، ففي يوم من الأيام وأنا أضع بضعة أكياس من الخبز في ذلك الصندوق رأيت أحدًا يُراقبني من بعيد ولم أدقق في سماته فذهبت إلى مركبتي وأدرت مفتاح المركبة وراقبت الموقف باقتراب فتاة وأبيها ناحية الصندوق وكان الأب جريحًا في رجله يسير مع ابنته ويسرع بصعوبة فالتقطت الطفلة بضع أكياس من الخبز وذهبت مسرعة إلى أبيها؛ ليتوارى الأب الجريح وابنته خلف المباني المحيطة بالمخبز، وأنا في ذهول من ذاك المشهد الذي جعلني أتساءل: أيعقل أن يكون ذلك الجريح محتاجاً لكيسة خبز يسد بها رمق عياله في هذا الجو البارد ورجله ملفوفة في شاش وصل أعلى كاحله؟

حركت مركبتي مسرعًا نحوه فلم ألحق به أو أتيقن من شكله وشكل طفلته، رجعت مرة أخرى أبحث عنه من خلف المباني لعلي أجده لكني لم أستطع أن أجد له أثراً؟

عُدت أسأل عنه عمال المخبز ربما يعرفون شيئًا عنه لكنهم لم يعرفوا أو يشاهدوا الشخص عندما وصفت لهم شكله. عُدت إلى مركبتي بعدما أبلغت عمال المخبز إن رأوه أن يبلغوني عنه في الحال بعدما أعطيتهم رقم هاتفي عسى أعرف شخصه.

وأنا أقود مركبتي عائدا إلى بيتي تذكرت عظم النعمة وعظم الخيرات في موائدنا وشكرت الله على النعمة، لكن جريح الخبز لا زال عالقاً في ذهني حتى اللحظة.

فكم من جريح آخر للخبز أو لاحتياج آخر لم ندركه أو نعلم عنه أو نتحسس إحساس الفاقة التي أوقدت صدره؟

دعوتي لنفسي أولًا وإياكم، أن تحسسوا أهلكم وجيرانكم؛ فلقد أوصى بهم رسول الله صلى الله عليه وسلم خيراً، فهل من مشمر يرفع يد الهمة؟️

هذه قصص عابرة لها وقع في القلب وألف عبرة؛ منها نلتمس حياة الناس ونلتمس قلوب ملأتها الغفلة. والله أعد للمحسن منا ثواب الجنة.

يقول المولى عزَّ وجلَّ: "فَآتَاهُمُ اللَّهُ ثَوَابَ الدُّنْيَا وَحُسْنَ ثَوَابِ الْآخِرَةِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ"، صدق الله العظيم.

جعلنا الله وإياكم من عباده المحسنين المتصدقين.