الشراكة المصرية الخليجية

 

د. مجدي العفيفي

(1)

ليتنا نكثر من مثل هذه المؤتمرات.. خيراتنا وفيرة.. وثرواتنا كثيرة.. وأدمغتنا قادرة على اختراق المستحيل إذا أعطيت الفرص.. والإرادة الإنسانية والإدارة السياسية.. تتجلى بهما التعادلية التي يرتكز عليها خطاب هذه الآونة من عصرنا هذا، ومن ثم فالقراءة الكاشفة لمجريات الأحداث في عالم اليوم – وهو عالم متغيراته أكثر من ثوابته - وفي منطقتنا بالذات وبالأخص عالمنا العربي، تؤكد أن التعاون الاقتصادي هو الأجدى فعالية في التقريب بين شعوبنا أكثر، وينجز ما لا تستطيع الخطب العنترية في دنيا السياسة أن تحققه، والشواهد ماثلة، والمشاهد دالة.. لمن أراد أن يستقريء أو أراد يقينا!

(2)

« الشراكة الخليجية المصرية »... تعبير اقتصادي جاذب، وعنوان يفكر للعلاقة، يشي بمضمون يجعل الواحد منِّا يحلم بترجمة أمينة، والحلم مشروع فما من طفرة إنسانية تمت إلا بحلم، ولو لا الحلم لمات الواقع. كما إن ذلك التعبير- العنوان.. يجعل الواحد منِّا يطمح لتحقق التكامل في الخيرات والخبرات، وتحقيق التفاعل بالتراكمات المعرفية والعرفية، والطموح أكبر من التطلع، وما ينبغي له إلا أن يكون كذلك.

كانت هذه الإضاءة تتسع رويدا رويدا في مرايا الفكروالخاطر، وأنا أتابع «مؤتمر الشراكة الخليجي المصري للبتروكيماويات لدعم الصناعة GPPC» ليس فقط لأني عشت في منطقة الخليج 3 عقود متواصلة معايشة سياسية واقتصادية وإعلامية ومجتمعية.. وليس فقط لأن علاقاتي المتجذرة بأصحاب القرار والناس في الخليج على اختلاف أطيافهم وتباين شرائحهم وتعددية توجهاتهم، انطلاقا من سلطنة عمان العزيزة؛ بل أيضا لأن المؤتمر استقطب ثلة من صناع القرار الاقتصادي، والاستثماري والتجاري، وتحديدا في مجال البتروكيماويات، ومعهم تشكيل واسع من رجال الأعمال من مصر والخليج، خاصة رموز القطاع الخاص في المملكة العربية السعودية التي نظمت المؤتمر عبر واحدة من مؤسساتها الخاصة الخلاقة في ذلك التخصص الحيوي.

(3)

كتلة حوارية انبثقت من جدلية اقتصادية حول منظومة بتروكيماوية.. صاغتها (أدمغة) ذات نوعية بمفردات خاصة، تشاركت علميا وعمليا، باتساع رؤية وانشراح فكر.. أصغيت إليهم وإلى مشاركاتهم الواضحة، التي تؤكد وضوح رؤيتهم، على مدى ساعات أربع، فما تهنا في غابات الأرقام وجفافها، ولا أدخلونا في غيابة الإحصائيات وتعقيداتها.  شارك فيها الدكتور إبراهيم عشماوي نائبا عن وزير التموين، وهو الأستاذ الجامعي والمحاضر الأكاديمي، واللواء مهندس إيهاب أمين نائبا عن وزيرة التجارة والصناعة، والكيميائي سعد هلال رئيس الشركة القابضة للبتروكيماويات نائبا عن وزير البترول والثروة المعدنية، والمهندس خالد أبو المكارم رئيس المجلس التصديري باتحاد الصناعات المصرية، وحامد خليل الرئيس التنفيذي لمجموعة ايه سي أو السعودية للبتروكيماويات، والمهندس محمد إبراهيم رئيس مجلس إدارة شركة سيدي كرير للبتروكيماويات، وممثلون من شركات أمريكية وبريطانية عاملة في مجال البتروكيماويات، بالإضافة إلى عدد من رؤساء الشركات العاملة فى القطاع.

 (4)

ولقد أوضح «عبد الرحمن عالم» رئيس المؤتمر، الأهمية التي يمثلها هذا اللقاء الثاني في مصر أنها تعكس اهتمام كلٍ من القطاع الخاص الوطني والعربي والأجنبي، بتطورات الأداء الحكومي المصري في تنمية قطاع البتروكيماويات والصناعات التحويلية بمصر، حيث تتجلى أهمية هذا المؤتمر في بيان وعرض مستجدات تطور البنية الصناعية والاقتصادية بهذا القطاع الحيوي ذي الأثر المباشر وغير المباشر على عديد من القطاعات والصناعات الأخرى بمنظومة الاقتصاد الوطني، من خلال لقاءات مباشرة بين أطراف هذا القطاع من مسؤولين وموردين وعملاء.

وعندما يصدر الرأي من ذوي الاختصاص تصبخ له قيمة مضافة، ولذلك استقطبتني شهادة هذا الرجل - وهو شخصية اقتصادية متحركة ومن بيت سياسي عريق - إذ وصف اللحظة الاقتصادية المصرية الراهنة بأنها جعلت مصر من أكثر الأسواق الإقليمية والعالمية جذباً للاستثمار العربي والأجنبي، خاصة مع ما تشهده مصر من تغيرات متسارعة وثابتة من الناحية القانونية والإجرائية المساهمة في تحفيز بيئة الاستثمار بكافة قطاعات وأفرع الاقتصاد المصري.

وبرؤية قومية واسعة قال: كان للاستثمارات العربية والوطنية القوية دورٌ مهمٌ في هذه المنظومة لترجمة الرؤى الاقتصادية المستقبلية إلى حقائق وأرقام على أرض الواقع.. ليس في مصر وحدها، بل أن الطفرة الاقتصادية للدول العربية واتجاهها نحو الاعتماد الذاتي على مقدراتها وقدراتها الحقيقة، ولّد عنه إنجازاً إستثنائياً تشهد به تقارير المنظمات والهيئات الإقليمية والدولية، فنرى مثلاً في المملكة العربية السعودية أرقاماً مذهلة للاقتصاد غير النفطي في سنوات معدودة منذ بداية إطلاق رؤيتها 2030، مما وضع المملكة العربية السعودية في مكانها المستحق على خارطة الاقتصاديات الصناعية الإقليمية والدولية، وليس الاقتصاد السعودي فحسب بل وكذلك الإماراتي والعماني وغيرهم من الدول العربية.

وأبدى سعيه الحثيث للمساهة في تغيير المنظور التقليدي لدول المنطقة مما يؤكد أن قدرات بلادنا الاقتصادية من المحيط إلى الخليج أكبر وأعظم شأناً من كونها أراضي حباها الله بالخيرات والمواد الخام فقط، بل هي أيضاً منافسٌ قويٌ لتلك الأسواق الريادية التقليدية الصناعية منها والتجارية. ولا شك أن تضافر الجهود العربية للاستفادة من بعضها البعض سيكون له عظيم الأثر على قوتها الاستثمارية والتنافسية في الأسواق العالمية مما يعود قطعاً بالنفع الكبير لشعبنا العربي.

ولأن الاقتصاد في العالم صار المحرك الأكبر للسياسة، أكثر من أي وقت سابق، فإن التعويل على دور القطاع الخاص أصبح من الأهمية بمكان، فكان على الرجل الاقتصادي أن يشير إلى ذلك بأن إيمانه بدور القطاع الخاص الوطني في الوقوف كتفاً بكتف مع حكوماتنا للمساهمة في تحقيق هذه الرؤى الاقتصادية المستقبلية لبلادنا، كان سعينا كقطاع خاص وطني أن نقوم بدورنا بأن نبين الفرص الاستثمارية والتجارية في كلٍ من السوق المصري والأسواق الخليجية خاصة السوق السعودية في قطاع البتروكيماويات والصناعات التحويلية لحث رجال الأعمال والمستثمرين من كلا الجانبين على تدعيم هذه الجهود المبذولة من قياداتنا وهذا هو هدفنا ومبتغانا.

  (5)

ترى.. ما هي جدوى هذا المؤتمر المكثف بحوارياته بين المتحدثين وبين الحضور، وبرؤى وجدليات هذه النخبة من المسؤولين من صناع القرار الاقتصادي..؟ بماذا أوصى، وإلى أي حد يمكن تجسيد توصياته على أرض الواقع؟.

 لقد تحاورت مع المتحدثين حوارات جانبية جوهرية، ومن خلال متابعتي ومناقشتي لأوراق المؤتمر.. أستطيع القول إنَّ إرادة المؤتمر بما فيه ومن فيه، قادرة على مطابقة التصورات للتصديقيات، سواء أكانت مشروعات ومشاركات اتفاقيات، أم تعاون وتكامل وتفاعل، من أجل صناعات حيوية كمفردة ذات وزن ثقيل في عالم البتروكياويات.

لقد أكدت توصيات مؤتمر الشراكة الخليجي المصري للبتروكيماويات، على أن القاعدة الاقتصادية والصناعية في مصر هي عمق استراتيجي الصناعة والاستثمار لدول مجلس التعاون الخليجي وخصوصا في قطاع البتروكيماويات والصناعات التحويلية باعتبار أن مصر من أهم الأسواق الإقليمية بالمنطقة، وتتمتع باتفاقيات تبادل اقتصادي وتجاري مميزه مع عديد من الدول ومنها أسواق الاتحاد الأوروبي ودول أفريقيا «الكوميسا»، وبعض الدول بأمريكا اللاتينية.

هذا الي جانب اكتشافات جديدة وهامة للغاز والتي تشكل أهمية استراتيجية للصناعات البتروكيماوية، حاصة أن رؤية "مصر 2030" الاقتصادية تمثل دعمًا لمنظومة التنمية والتعاون والاستثمار بين دول الخليج وخصوصا المملكة العربية السعودية ومصر، ومن ثم أُوصي المؤتمر بمزيد من التعاون والتحالف الاستثماري والصناعي والتجاري والتنظيمي بين دول مجلس التعاون الخليجي ومصر، لرفع الكفاءة التنافسية لمخرجات صناعة البتروكيماويا في مواجهة التحديات والمنافسة الخارجية نحو ميزة تنافسية مضافة مشتركة في الأسواق العالمية، ودعا منتجي البتروكيماويات في مجلس التعاون الخليجي وبالأخص المملكة العربية السعودية ومصر إلى تشكيل لجنة مشتركة لخلق الفرص وتقريب وجهات النظر لفرص استثمارية مستقبلية.