مع أم ضد تعديل قانون العمل؟

جمال النوفلي

ثمة نقطتان وردتا في مقال الكاتب والمُحلل الاقتصادي الأستاذ مرتضى بن حسن بن علي، ثار حولهما جدال ونقاش مجتمعي، وهما: إلغاء الزيادة الدورية بنسبة 3% من الراتب الأساسي للعامل غير المُنتج، وهي الزيادة المستحقة للعامل من صاحب العمل، وفق قانون العمل، وثانيهما: إلغاء قرار تعمين وظيفة مُدير الموارد البشرية في شركات القطاع الخاص.

جاء هذان المقترحان ضمن مقال كتبه الأستاذ مرتضى بعنوان "كيفية مساعدة الشركات دون تحمل الحكومة أي تبعات مالية". وهو عنوان واعد ويحمل الكثير من الأفكار الجيِّدة المبنية على أرقام وحقائق واقعية تُساعد الحكومة على الحفاظ على خط سيرها المالي التصاعدي في حفظ المال وسد المديونيات وتساعد أيضًا الشركات على البقاء والاستمرار في ظل التحديات الإدارية والسوقية وضعف التدفق المالي في الدولة.

ولقد ثارت ثائرة الكثيرين من أفراد المُجتمع بسبب المقترحين المذكورين، على الرغم من أنَّ المقترح الأول وهو إلغاء بند الزيادة الدورية 3% نظريًا غير موجود في قانون العمل، وإنما صدر بقرار وزاري رقمه (541/2013)، وبشرطين؛ أهمها: أن لا يكون العامل قد حصل على تقدير "ضعيف" في تقرير الأداء السنوي.

وبالتالي مقترح الكاتب لا يخرج عن القرار الوزاري، ويمكن للشركات تطبيقه على الموظف غير المنتج دون أي مشاكل تواجهها مع الجهات.

أما عن مقترح إلغاء تعمين وظيفة مدير الموارد البشرية في الشركات، فقد ابتدأ التوجه لتعمين هذه الوظيفة منذ عام 1998 حتى انتهت بالتعمين الكلي في عام 2019، وعن تجربة شخصية قد كنت عضواً في الاتحاد العام ورئيسًا لنقابتي العمالية وكان أكثر الشكاوي التي يُعاني منها العمال العمانيون تأتي غالباً من مديري الموارد البشرية العمانيين لأسباب عدة. والمشكلة بدأت لما اشترطت الوزارة تعيين مديرين عمانيين للموارد البشرية في 1998 لقصد حفظ حقوق العمال العمانيين لكن حصل عكس ذلك في كثيرٍ من الشركات؛ حيث يسعى مدير الموارد البشرية عبر علاقته بشبكة من الموظفين العمانيين في الحكومة أن يقف ضد العامل، وأن يُقنعه بالتنازل عن حقوقه. وبعيدًا عن ضرب الأمثلة والمقارنة بين المديرين العمانيين وغير العمانيين، نقول إن المعيار الأول يجب أن يكون لمصلحة إنتاج ونتائج المؤسسة التي تتكون من جميع أطراف الإنتاج الثلاثة العامل وصاحب العمل والحكومة.

ويرى الأستاذ مرتضى أن عدد الشركات كبير جداً وعدد مديري الموارد البشرية قليل جدًا وكثير منهم غير أكفاء لإدارة الموارد البشرية في الشركات الكبيرة.

وعودا على مقترح إلغاء الزيادة وحتى نكون منصفين أكثر في قضية الزيادات، فإنَّ الحكومة اشترطت هذه الزيادة بعد دراسات مستفيضة أجريت بعد أحداث 2011؛ بقصد رفع المستوى الاجتماعي والمعيشي وتحفيز الشباب للعمل في القطاع الخاص، ولكون الممارسة لدى كثير من الشركات كانت عدم إعطاء العامل أي زيادة سنوية إذا لم تكن هناك ضرورة ملحة للزيادة، وغالبًا ما تكون على شكل ترقية، فقد قررت الحكومة وضع صيغة مؤقتة تلزم فيها الشركات بالزيادة الدورية للعامل طالما أنه يحصل على تقدير أعلى من الضعيف.

طبعاً هناك نظريتان في علاقة الحكومات مع سوق العمل؛ نظرية سوق العمل الحر، والتي يعد فيه طرفا العمل أحرارًا فيما يتفقان عليه من بنود وشروط، طالما أنهما يدفعان الضرائب وطالما أنهما لا يخالفان النظام العام والاتفاقيات الدولية، وهذا يُطبق في الدول الاقتصادية ذات الاقتصاد الإنتاجي الحر، وفي الدول الفقيرة جدا وذات العدد السكاني الكبير التي لا تستطيع الدولة فيه أن تراقب سوق العمل بشكل كلي.

ونظرية سوق العمل المنظم، وهو السوق الذي تتدخل فيه الحكومة كطرف في الإنتاج مع العامل وصاحب العمل والمال، فتشترط بعض الشروط على صاحب العمل لتضمن حقوق العامل ومعيشته الكريمة، وهذا يحصل في الدول الريعية بنسب متفاوتة في التطبيق.

والسبب أن القطاع الخاص في الدول الريعية هو قطاع غير مُنتج، وإن كان منتجًا فإنتاجه للدولة من مال الدولة، فتعمل الحكومة كضامن لبقاء العمل والإنتاج وتحقيق الأرباح. فطالما أن المال من الحكومة فهي ترى أن من حقها أن تفرض شروطًا تضمن من خلالها مصالحها ومصالح مواطنيها في الحصول دخل يضمن لهم معيشة كريمة وعمل مريح كراحة العاملين في القطاع الحكومي.

وعندما تتحول بعض الدول من الاقتصاد الريعي الى الإنتاجي أو تصاب بانتكاسات اقتصادية؛ فلا يكون بمقدروها أن تدفع للشركات في القطاع الخاص، ولا أن تخلق مشاريع جديدة يمكن لهذه الشركات التكسب من خلاله، فلا يكون بمقدور الحكومة أن تضمن المال والأرباح لهذه الشركات. ومن ثم يظهر هذا التساؤل لدى أصحاب العمل: ما الذي يلزمني بالاستمرار في هذا العمل وإن استمريت بطرقي الخاصة فما الذي يجبرني على توظيف العمال غير المنتجين؛ بل وترقيتهم سنويًا؟ في حين أن الحكومة نفسها غير قادرة على توظيفهم وغير قادرة على سداد التزاماتها السابقة ورافضة للعمل بالأسلوب الريعي في توفيرالأعمال والمشاريع للقطاع الخاص؛ بل فوق ذلك تفرض مزيدًا من الرسوم والضرائب.

ويبدو للمراقب أن حكومة سلطنة عمان في هذه المرحلة غير راغبة في الاستمرار في التحكم بسوق العمل الخاص بذات الشروط والالتزامات السابقة التي كانت تفرضها على أصحاب العمل حين كانت تضمن لهم الأعمال. ليس لأنها لا تريد وفقط؛ بل لأننا كشعب وحكومة اخترنا أن نصنع من عُمان دولة منتجة ذات اقتصاد إنتاجي كبير وقرارها بيدها وليست مجرد دولة غنية ذات اقتصاد ريعي تعيش رهينة لقرارات الدول المنتجة الأخرى.