الشتاء والإنسانية

فاطمة هبيس الكثيرية

بنظرة عابرة ندرك أن شتاء هذا العام مختلف عما سبقه، فهو يعلن تمرده على كل من وما يعانده، وكأنه نذير لمن لا يعتبر وتمحيص للمؤمنين.

فنرى أن بعض الدول تجمدت كلها تقريبا، واختفت معالمها تحت أكوام الثلوج، حتى يخيل للمشاهد أنه ينظر لحقل قطن تتعانق أغصانه المتشابكة، وكأنها تبين للعالم صلابة تماسكها.

فالثلوج هذا العام فرشت بساطها الناصع البياض، وشملت به كل جبل وغابة وحتى المنازل والشوارع في المدن العملاقة. وقد يخدع ذلك البياض بعض المتعطشين للمغامرة بفكرة التمتع بقضاء بعض الوقت بالتزحلق على تلك المنحدرات الثلجية، وطبعا لم يخطر ببالهم كم الأمر مخيف أن تبتلعك تلك الثلوج المغرية، وكم هو مؤلم أن تتجمد أطرافك، وتتسمر في مكانك دون حراك، فتصبح كرجل الثلج.

كم هو مخيف ومؤلم أكثر أن يتجمد طفلك البالغ من العمر عامين أمام عينك دون أن تستطيع إنقاذه أو أن ترى أمامك أسرة كاملة فقدت حياتها ملتصقة أجسادهم ببعضهم محاولة إيجاد بعض الدفء، أو رؤية ذلك الرجل الملهوف على أمه العجوز التي تنتظره بفارغ الصبر أملا أن يعود بسرعة قبل أن تحضر منيتها وقد عثر على بعض الأخشاب لإشعال النار للحصول على بعض الدفء الذي أصبح شبه معدوم، وربما أكثر حزنا تلك الأرملة وأبناؤها الأربعة الذين يزداد أنينهم مع مرور الساعات يتضورون جوعا ومرضا وبردا.وقد يشد انتباهك أكثر ذلك الصوت الضعيف من الخيمة المُقابلة، فتحاول أن تفهم بعض الكلمات، فتسمعه يردد (اللهم اشكو إليك ضعف قوتي وقلة حيلتي وهواني على الناس) مع حشرجة خفيفة.

تلك هي القصص التي يسردها لنا شتاء عام 2022 في تلك المخيمات التي افتقرت إلى أدنى مقومات الحياة.

فهل عجز تجار العالم عن بناء منازل تقي أولئك البؤساء شدة البرد القارس الذي يأكل عظامهم أم عجزت البشرية جمعاء عن الاستغناء عن بعض أطعمتهم وشرابهم وألبستهم، لإنقاذ من يمكن إنقاذه ممن بقي حيا في تلك المخيمات الصارخة بالموت في كل لحظة.

يا من تحتفظ بالمال اقرأ حديث الرسول صلى الله عليه وسلم يقول فيه: (يقول ابن آدم مالي مالي وهل لك يا ابن آدم من مالك غير ما أكلت فأفنيت وما لبست فأبليت وما تصدقت فأبقيت أو أمضيت).

والله يقول (انفقوا من مال الله الذي آتاكم) أي أن المال الذي بين يديك ليس مالك بل هو مال الله.

ويقول سبحانه: (أنفقوا مما جعلكم مستخلفين فيه)؛ أي أنك أيها الإنسان مستخلف فيما أعطاك ورزقك ربك من الأموال ويجب أن تحسن الاستخلاف فأنت محاسب على ذلك المال.

ويقول الله عز ودل في الحديث القدسي: "استطعمتك يا عبدي فلم تطعمني قال كيف أطعمك وأنت رب العالمين قال استطعمك عبدي فلان ولم تطعمه أما لو أطعمته لوجدت ذلك عندي".

وقال تعالى في كتابه: "مثل الذين ينفقون أموالهم في سبيل الله كمثل حبة أنبتت سبع سنابل في كل سنبلة مائة حبة"، ولا يوجد حبة تعدل جبلا إلا حبة الصدقة، فالله سبحانه يربي حبة الصدقة حتى تصبح جبلا، فهل هناك فضل أكبر من هذا؟

وفضل الصدقة عظيم، خير دليل تمني الميت العودة للحياة، ليتصدق قال تعالى: (رب لولا أخرتني إلى أجل قريب فأصدق).

جعلنا الله وإياكم ممن يستظل بصدقته يوم القيامة.

تعليق عبر الفيس بوك