بعد الرحيل

 

سارة البريكية

sara_albreiki@hotmail.com

 

 

تمر بنا الأوقات وتتسارع وتتباطأ ونحن تائهون في زحمة أفكارنا إما النجاة والوصول لبر الأمان وإما الغرق في محطات الرحيل المر، يطوف الليل حافة الوجع الممتد أقصى مساحات الوجدان المتراكمة والتي راكمتها السنون والشخوص والزوايا والمنحنيات وممرات الوحدة القاتلة يفيض الأسى والخذلان والجراح ويلملمنا شتات الوداع الأخير لنكسر مرة أخرى وأخرى وأخرى.

هكذا تسير قوافل الوقت البارد في شتاء حزين يلفه صمت  وسكون وتطير فراشات من رأسي لتقف على كتفي ذي المفصل الميت والذي يحتاج لقليل من الاهتمام والرعاية الطبية ليعود كما كان بعض الإصلاحات فقط وسأستطيع أن أحس براحة وأنا أنام على شقي الأيسر.. لكن حتى لو عاد هذا الكتف الميت للحياة فإن من غادر لا يعود ومن مات مات..

تسير بنا الحياة لنقطة لا نلتقي بعدها ونبقى في ذكريات بعضنا الآخر حتى لو التقت أجسادنا ببعض الصدف ولكن الأرواح تبقى عالقة في جزء من الزمن كلقائي بأختي الجميلة بشرى قبل عشرين عاماً ونحن نلعب ونغني ونمرح أعتقد أن أرواحنا توقفت عن اللقاء بعد ذلك وتوقفت عن الحياة،، نحن لا نعلم ولن نعلم متى الرحيل ولكننا نعلم أنه يجب علينا التسامح وأن الحياة قصيرة فقد رحل من أمامنا أناس كنَّا نتوقع لهم الخلود كما نحن الآن نتوقع أننا نعيش ونعيش ونبني ونعمر ونتزوج وننجب ووووو.. لكن هيهات هيهات يأتي هادم اللذات ليقلب الموقف وتتطاير الأوراق وتتلاشى الأجساد ولا تعود بيننا وإننا رغم ما فعلنا وقلنا وبكينا فإنَّ الميت لا يعود فقد فارقنا.. كيف لنا ألا نؤمن بالله ونحن نرى الناس تموت أي قدرة إلهية هذه التي تنهيك من أرض الواقع وكأنك لم تكن فاتعظ اتعظ اتعظ الرحيل قريب.

أستغرب وأتعجب من بعض البشر والذين يدعون الكمال وهم لا كمال ولا نقاء وفي الأساس لا يوجد إنسان كامل كلنا أخطاء وخير الخطاءين التوابون لكننا نماطل ونماطل ونماطل كشمعدان يعاود الاشتعال كلما انطفأ كقنديل معلق هناك في الأعلى ولا يجوز له الانطفاء في ليلة باردة فكلنا في حاجة ماسة إليه ليشعرنا بدفء ضوئه الجميل حيث الظلام الدامس يلمنا جميعًا ويحيط بنا نعاود لكبريائنا الذي يلازمنا ونتوقع أنها ستمر كمثل كل مرة ونخطئ ونعاود الندم في حلقة عجيبة مستمرة لكن إلى متى؟!

أتعلم أنك تعيش آخر ليلة من عمرك وأنك سترحل بعد ساعات من الآن وأنك لن تلتحف سقف غرفتك ككل مرة وإنما ستلتحف التراب وأن الساعة ستتوقف ولن تعاود الاشتعال ولو حاول ألف بشري إنقاذك سوف ترحل ستنتهي سيمر شريط حياتك من أمام ناظريك ولكن لحظة توقف، هل هذا الشريط الذي تفتخر به وهل هو المنقذ لك في وحدتك هل قمت ليلك وأديت فروض صلاتك اليومية أم أنك سهرت على مواقع التواصل الاجتماعي ولم تترك هاتفك ولو ثانية هل قرأت وردك اليومي أم اهتممت بقراءة الأحداث الأخيرة والمشهور الفلاني والإعلان الفلاني هل أديت صلاتك بالمسجد هل جلست مع نفسك قليلاً وحفظت شيئاً بسيطاً من قرآنك هل حفظت جيدا إجابة السؤال الأخير هل أعددت الفشار والذرة ولبست نظارتك الشمسية لمتابعة فيلمك الجميل هذه المرة لن يكون هناك مخرج ولا مصور ولا كاتب فجميعهم أنت، نعم أنت قمت بجميع الأدوار وكنت بطل فيلمك فكيف كانت النهاية هل هي سعيدة هل عملت أن تكون سعيدة عندما تنظر لتفاصيلها التي نسيتها منذ صغرك أم هل تتحسر على ما فعلت..!

عزيزي …

لقد وصلتني الرسالة الأخيرة وأنا جدا ممتنة لك وأعدك أنني سأكون بالقرب منك دوماً حتى وإن فنيت الأجساد فالأرواح باقية إلى الأبد.