سلطانٌ يختار سلطانًا

 

 

صالح البادي

 

عندما يأتي المقال لذكر مقام السلطان قابوس بن سعيد- طيب الله ثراه- فإنِّه حُق له بعد خمسين سنة من العطاء والبناء لعُمان الاستثناء في كل مجال وعلى كافة الأصعدة، أن نستمع له استماع المُنصتين ونهب جمعًا وفرادى لتطبيق توجيهه واختياره التطبيق الأمين أداءً وعطاءً قولًا وفعلًا همةً وسدادًا.

لقد شاعت وصية السلطان الراحل- طيب الله ثراه- والتي فتحت صبيحة 11 يناير 2020 في كافة أرجاء المعمورة، وقد تحدث عنها العالم أجمع؛ بل وحق لها أن تكون الوصية الأشهر والانتقال السلس للحكم الأروع في التاريخ الحديث. لقد أوصى السلطان قابوس- طيب الله ثراه- مُوجهًا شعب الوفاء والولاء العمانيين كافة للالتفاف حول سلطاننا المفدى هيثم بن طارق المُعظم- حفظه الله ورعاه، فكتب في الرسالة الخالدة يقول: "فإننا وبعد التوكل على الله ورغبة منِّا في ضمان استقرار البلاد نشير بأن يتولى الحكم السيد هيثم بن طارق، وذلك لما توسمنا فيه من صفات وقدرات تأهله لحمل هذه الأمانة".

لقد كان اختيار مولانا السلطان هيثم بن طارق- يحفظه الله سلطانا على عُمان- من لدن السلطان قابوس- طيب الله ثراه- اختيارًا دقيقًا، يعكس الثقة العليا من سلطان عُمان خالد الذكر- طيب الله ثراه- في خير خلف لخير سلف مولانا السلطان هيثم بن طارق المفدى- أيده الله وأبقاه.

سمعاً وطاعة سيد عمان قابوس طيب الله ثراك باني نهضة عمان الحديثة وسمعًا وطاعة ولاء ووفاء لسيدي السلطان هيثم بن طارق باني نهضة عمان المتجددة وهنيئا لعمان بسلاطينها من آل سعيد العظام.

كان صدق النظرة الثاقبة جليًا؛ حيث هبَّ جلالة السلطان هيثم بن طارق آل سعيد يحفظه الله فور توليه مقاليد الحكم بهمة عالية وعمل مؤسسي صريح وجلي؛ فالناظر بعين فاحصة للعامين الماضيين من نهضتنا المتجددة المباركة يجد أن أهدافا كثيرة حققت رغم أن الفترة محدودة وفترة العامين قطرة في تاريخ الشعوب لكنها عظيمة بتجديد المسارات وتنفيذ موجهات صريحة ودقيقة لتحقيق الطموحات.

لقد صدرت مراسيم سلطانية وتوجيهات سامية مباركة وقرارات تفصيلية متعددة ومضى التشريع مصدرا لقوانين وتشريعات متعددة تصب لصالح عمان صبًا.

لقد تم البدء تمامًا من المكان الصحيح وهو إعادة هيكلة الدولة ودمج مؤسساتها الشبيهة تخصصا وأعيد تنظيم الجهاز الإداري للدولة وتعيين وزراء ووكلاء جدد ضاخا جلالته يحفظه الله دماء شابة لقيادة الوطن قطاعيا. ألم يختر شباب الوطن بذاتهم رؤية "عُمان 2040" وألم يحددوا الوجهة ويختاروا المحطات والأهداف إذا فليكن رؤساء الوحدات وقادة القطاعات من ذات الشباب ليحقق الشباب طموح الشباب، الشباب والشابات شحذوا الهمم لصناعة القمم التي اختاروها في رؤية الوطن.

كما وجه جلالته- يحفظه الله- بترشيق الجهاز الإداري للدولة ليحيي لعمان تطلعاتها وليقضي على البيروقراطية في ضربة فاصلة، وليقترب بعمان أكثر من أفضل المؤشرات العالمية في عدد الموظفين العموميين لعدد السكان. كما ويفسح المجال يحفظه الله لشباب الوطن ليقودوا خطتهم التي وضعوها وشكلوها وصنعوها وأرسوا دعائمها وأهدافها. فقم أيها المخطط الشاب واصنع وطناً أردته. كما أن الهدف كذلك أن تبقى الموازنات الحكومية ضمن مؤشراتها بالدول النظيرة.

ويقود الوزراء والوكلاء قطاعاتهم وهم من الشباب فيما يقود معظم المؤسسات الحكومية في هياكلها من الشباب والشابات وكذلك الشركات الحكومية ومجالس إدارتها، كما تفاعل القطاع الخاص فأعطي البعض من مناصبه القيادية للشباب والشابات ليحقق جلالته يحفظه الله للشباب المساحة الكافية والمرونة اللازمة والتشكيل الأنسب ليصنعوا ويشاركوا في بناء الوطن بهمة واقتدار، وهذا الهدف أضحى واضحا وجليا وليعمل الشباب والشابات على تنفيذ خطتهم التي ارتضوها بينهم وسجلوها برؤية "عمان 2040" لينفذها بهمة وشغف وتركيز ذات الشباب وليسلموا الوطن لجيل بعد جيل بسمو واعتزاز لتواصل الأجيال مسيرة البناء والعطاء جيلا بعد آخر، تذهب الأجيال وتتجدد ويبقى الوطن ساميا ماجدا.

وقد توجه جلالته- يحفظه الله- وحكومته الرشيدة مباشرة بعد توليه مقاليد الحكم، لحل مشكلة الدين العام الذي وصل إلى معدلات عالية؛ سواء في حجمه مقارنة بالناتج المحلي، أو في حجم أقساط السداد من إجمالي الموازنات السنوية. لكن بفضل المعالجات الحكيمة والسديدة، بدأت هذه المعدلات في التراجع، وانعكس ذلك على التصنيفات الإيجابية والمستقرة التي منحتها مؤسسات التصنيف الدولية للاقتصاد العماني وقدرته الائتمانية.

واتخذت عُمان خيارات متعددة تمثل الأقل ضررا على المواطن والأعلى فائدة على الوطن، ونجح جلالته وحكومته الرشيدة في الخروج باقتصادنا الوطني من مرحلة عنق الزجاجة والوصول بالسلطنة لبر الأمان. وقد أشارت تقارير عالمية كثيرة إلى الوضع الاقتصادي في عُمان وتحدياته خلال العام 2020 والنصف الأول من عام 2021، ليفاجئ جلالته العالم كله بتحول الوضع إلى آمن في زمن قياسي، تمكن خلالها جلالته من توجيه صحيح وحقيقي لبوصلة الوطن باتجاه بر الأمان، مما حدا بالمؤسسات العالمية المؤثرة ومن تلقاء نفسها في إعادة التقييم العالمي ومنح السلطنة درجات أفضل في الاستدامة المالية، فيما التزمت السلطنة بسداد الديون وفوائدها. يعرف عن عمان منذ سنوات طويلة التزامها التام بعقود الاقتراض وكانت عمان دوما أرضا واقتصادا محببة للمؤسسات المصرفية العالمية. وأتذكر ذلك عندما كنت مصرفيًا لسنوات طويلة، وكيف كنَّا نلتقي بالبنوك العالمية المموِّلة ونشارك ببعض الحالات في تمويل مشروعات حكومية متعددة مباشرة مع المشاريع أو مع الوزارات المختصة وكانت عمان دوما بلدا محببا لالتزامها وشفافيتها وسمعتها التمويلية وسداد التزاماتها ووضوح خططها وقبول مخاطرها كاقتصاد وكوطن.

إن التعديلات الجوهرية تأخذ وقتاً لحين بلوغ أقصي درجات الأداء، ونتوقع في هذا السياق أن يستغرق الأمر من 4 إلى 5 سنوات، على أقل تقدير، لجني ثمار التعديلات الجوهرية التي أجريت على منظومة الاقتصاد.

إن عمان تسابق الزمان بقيادة حكيمة وتفعل كل ما هو ممكن لتقليل هذه الفترة ومضاعفة الأداء، وسيوفقنا الله بفضله نحو مستقبل أكثر روعة وجمالا بأداء الجميع، كل من موقعه وبإيجابية وجدٍ، وبأفضل ممارسات التنفيذ.

حفظ الله جلالة السلطان هيثم بن طارق المفدى، وسدد على طريق الخير خطاه ووفق حكومته الرشيدة، وكل الشعب كل من موقعه لتحقيق أهداف رؤية عمان بشغف وزيادة.. وحيَّ على العمل.