معاش الضمان الاجتماعي

 

محمد بن حمد البادي

إن الارتقاء بمستوى معيشة المواطن العماني وتلبية احتياجاته الإنسانية، وخصوصاً في جانب الرعاية الاجتماعية، يعد من أبرز ركائز مسيرة التنمية الشاملة والمستدامة بالسلطنة، وذلك إيمانًا من الرؤية الحكيمة لجلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم- حفظه الله ورعاه- أن الإنسان العماني هو عماد التنمية وصانعها، وقد اتضح ذلك جليًا من خلال تضمين الرؤية المُستقبلية "عُمان 2040" عددًا من الأهداف والأولويات التي تصب في هذا الجانب؛ حيث نجد أن وزارة التنمية الاجتماعية اعتمدت العديد من السياسات والخدمات والبرامج والمشاريع الإنمائية، من بينها السعي إلى تطوير خدمات الرعاية الاجتماعية والتي تشمل بشكل أساسي الضمان الاجتماعي الذي يعد أحد مكونات شبكة الأمان الاجتماعي بالسلطنة.

ولكن، بعد النظر إلى مقدار معاشات الضمان الاجتماعي التي يتم صرفها للأسر المستحقة، لعل السواد الأعظم من الناس، يتفقون على أنها لا ترقى لتحقيق حياة هانئة للمواطن العماني؛ بل إنها لا تلبي الحد الأدنى أو البسيط جدًا من الخدمات المعيشية في هذا الوقت بالذات، فمنذ صدور التوجيهات السامية بتاريخ 28/ 2/ 2011 من لدن المغفور له بإذن الله تعالى السلطان قابوس بن سعيد بن تيمورـ طيب الله ثراه- والقاضية بمضاعفة معاشات الضمان الاجتماعي بنسبة 100%، لم يحدث أي تغيير في المعاشات، بالرغم من كل التقلبات الاقتصادية التي عصفت بالعالم أجمع دون استثناء، وكذلك صدور العديد من التشريعات والأوامر والقرارات من مختلف الجهات الحكومية التي أثرت على الوضع المعيشي محلياً بشكل سلبي، أضف إلى ذلك تضاعف أسعار كل الخدمات والسلع الاستهلاكية أو ارتفاعها بشكل كبير على أقل تقدير، إلى جانب رفع الدعم عن المحروقات والكهرباء، وعوامل أخرى كثيرة لا مجال لذكرها في هذا المقال، وكأن القائمين على خطة التوازن المالي لا شأن لهم بهذا الأمر، فلا عين رأت ولا أذن سمعت، أو كأنهم يعيشون في كوكبٍ آخر خارج نطاق التغطية.

إن الفرد البسيط الذي ينتمي لهذه الفئة لا يهمه معرفة الأهداف أو الأولويات أو السياسات التي تتبناها وزارة التنمية الاجتماعية، ولن يهتم يومًا بالمؤشرات التي تصدرها الوزارة لتخبره عن عدد الأسر المستحقة، أو إجمالي الاعتمادات المالية السنوية التي تصرف لهذه الأسر، ولن يهتم بالتفاصيل والخطط والأرقام التي تتلى عليه صباحاً ومساءً؛ لأنها لا تعنيه في شيء، ولا يُريد منكم إخباره عن ترتيب السلطنة بين دول العالم في مؤشرات مستوى سعادة الفرد ورفاهيته؛ بل يهمه كيف يتدبر قوت يومه، كيف يوفر لنفسه ولأبنائه المأكل والمشرب والملبس والمأوى، يهتم لفاتورة الكهرباء والماء وارتفاع أسعار السلع الأساسية والاستهلاكية، يقصم ظهره ارتفاع أسعار المحروقات ولو بمقدار بيسة واحدة.

يجب النظر بجدية تامة إلى معاشات الضمان الاجتماعي والعمل على رفعها بصورة تضمن تحقيق حياة كريمة لأفراد هذه الأسر، فعلى سبيل المثال، مبلغ 264 ريالًا الذي يصرف للأسرة المكونة من 10 أفراد، كيف يتم توزيعه فيما بينهم طيلة الشهر؟ فكيف للفرد منهم أن يعيش حياة كريمة بمبلغ 26 ريالا طيلة شهر كامل؟ لو أكل ثلاث وجبات يومياً بريال واحد فقط، فمنطقياً هذا المبلغ سيكفيه لمدة 26 يومًا، والأربعة أو الخمسة أيام المتبقية من الشهر ماذا يأكل فيها؟ ماذا يشرب؟ ثم كيف عن ملبسه ومسكنه وفواتير الكهرباء والماء وبترول السيارة والأساسيات والكماليات وأحواله الطارئة التي قد تحل عليه بين عشية وضحاها؟ أيها المسؤول ابحث لنا عن شخص يستطيع العيش بهذا المبلغ طيلة شهر كامل، أو عش بنفسك التجربة وكابد ما يكابد لشهر واحد فقط.

ثم يطل علينا أحدهم ليتشدق بملء فيه بالمنافع والامتيازات التي تستفيد منها أسر الضمان الاجتماعي، والتي حريٌّ بنا ألا نضع لها الكثير من الاعتبارات، فمعظم هذه الخدمات والمنافع ربما لا يستفيد منها الشخص إلا مرة واحدة طيلة حياته، أو مرة واحدة على مدار العام، فكم من المرات سيستخرج أرضاً؟ وكم من المرات سيستخرج إباحة بناء؟ وكم من المرات سيستقدم عاملة؟ وقس على ذلك الإعفاء من رسوم استخراج أو تجديد جواز السفر والبطاقة الشخصية وغيرها العديد من الإعفاءات التي لا تقيه برد الشتاء ولا حر الصيف.

عندما نقول إن عمان من أفضل الدول في تحقيق العيش الكريم لمواطنيها، لا بُد لهذا القول أن ينعكس على الواقع، ولا يكفي لوزارة التنمية الاجتماعية أن ترفع التوصيات والمقترحات للجهات الأعلى؛ بل يجب متابعتها بشكل مُستمر، وإيجاد بدائل مناسبة إن تأخرت أكثر من اللازم، فليس منصفاً أن نحيل بعض الحالات للفرق الخيرية؛ لأن هذا الواجب يقع على عاتق الوزارة وحدها، أما الفرق الخيرية فهي قائمة بجهود المتطوعين والمحسنين وفاعلي الخير، وعلى التبرعات والصدقات التي متى ما وجدت صرفت، وبالتالي هي ليست ملزمة بصرف المعونات لهذه الأسر إلا من باب التعاون والتكاتف والإحسان فقط.

يجب فتح الأبواب المغلقة للمراجعين، كما يجب النزول للميدان والاختلاط بالمجتمع لمعرفة أحوال الناس وتلمّس احتياجاتهم، فمن غير المعقول أن نقف مكتوفي الأيدي لنجبر المواطن على كسر خصوصياته العائلية ليُظهر لنا مدى البؤس الذي يعانيه في سبيل توفير أسباب العيش الكريم لأسرته، أو يعرض شكواه عبر وسائل التواصل الاجتماعي ليرى العالم كله مدى عجزه أمام صغاره؟ وغيره الكثير والكثير من الفقراء والمساكين المترفعين عن ذل السؤال، يحسبهم الجاهل أغنياء من التعفف تعرفهم بسيماهم لا يسألون الناس إلحافًا.

أخصائي توجيه مهني، مدرسة العوتبي للتعليم الأساسي (5- 12)