توظيف العمانيين.. التحديات والحلول (4)

 

هلال بن حمد النعماني

omanoor101@gmail.com

 

تطرقنا في الأجزاء السابقة من هذه السلسة من المقالات حول "توظيف العمانيين.. التحديات والحلول"، إلى مسألة بيئة العمل في السلطنة، وشرحنا هيمنة العمالة الوافدة عليها، وشرعنا في طرح الحلول لمُشكلة الباحثين عن عمل. وفي هذا المقال نختم باستكمال الحلول التي نراها ستُسهم في إيجاد فرص وظيفية أكبر للعمانيين؛ ومنها:

  • تبني مشروعات وأفكار ومبتكرات الشباب:

إن الأفكار المبتكرة والجريئة والمشروعات غير المسبوقة هي النواة الحقيقية لتقدم أي أمة من الأمم، وبالتجربة أحد المواطنين أراد أن ينشئ مصنعاً هو الأول من نوعه في السلطنة فبدل التشجيع والدعم وجد العراقيل والإحباط والخسائر وحاول أن يحصل على دعم من أحد الصناديق الحكومية المختصة إلا أنَّ المستشار الوافد الآسيوي لذلك الصندوق رفض رفده بالدعم، هذا المثال يوضح مدى نفوذ الوافد في بنية الاقتصاد العماني، ووطن يتحكم به الغريب مستقبله لا يُبشر بالخير.

كما يجب أن يكون هناك شيء من التساهل والمراعاة في تطبيق القوانين والإجراءات حيال الشباب الذين يحاولون شق طريقهم معتمدين على أنفسهم، المرونة في التعامل مع شباب الوطن أمر ضروري وملح ويجب أن تقدر الأمور بقدرها الصحيح وعدم تكليفهم من الاشتراطات ما طاقة لهم بها، والذي نفرضه من رسوم وإجراءات على المؤسسات ذات الذمة المالية العالية لا يُمكن تطبيقه على الشباب وهم يبدؤون أول خطواتهم نحو إقامة مشاريع خاصة بهم، فالمهم في هذه المرحلة أن المواطن يكسب رزقه من عمل يده.

  • إنشاء شركات صناعية حكومية:

بصورة واقعية لا يُمكن للحكومة أن تعوّل على القطاع الخاص بنسبة 100% في توظيف الشباب العماني، فهذا القطاع يعاني من الضعف ويعيش على الدعم الحكومي المقدم في صورة مشاريع مُسندة، وبالتالي على الحكومة أخذ زمام المبادرة بإنشاء صناعات كبيرة ذات جدوى اقتصادية معتمدة على موارد البلد وثرواته الطبيعية المادية والبشرية، على أن تكون لهذه الشركات مخصصات تشغلية تتناسب مع ما هو ممنوح للقطاع العام، لا كما هو حاصل لبعض الشركات الحكومية التي يذهب الجزء الأكبر من ميزانيتها كرواتب وعلاوات للموظفين ومجالس إدارة هذه الشركات. وتوجه الحكومة الأخير في حوكمة الشركات التي تمتلك حصصا فيها يجعل من هذه الشركات ذات فاعلية أكبر قادرة على التنافسية دون معاملة استثنائية من الحكومة.

يزخر وطننا بالكثير من الموارد الطبيعية التي يتم تصديرها على شكل مواد خام، ومن الأجدى إدخال هذه الموارد قي عمليات التصنيع للاستفادة من القيمة المضافة للثروات الطبيعية، وعلى الحكومة السعي إلى تعزيز أصولها الاقتصادية فهي الضمانة لديمومة القوة الاقتصادية للدولة وعدم اللجوء إلى التخصيص إلا في أضيق الحدود.

إن سعي الحكومة في جلب الاستثمارات الأجنبية هو بحد ذاته سعي محمود ويصب في مصلحة الوطن الاقتصادية، ولن يكون كذلك إلا إذا كان الاستثمار في المجال الصناعي بإقامة مشاريع صناعية حقيقية ذات تقنية متطورة ولها إنتاج نوعي وتنافسي.

ونحن هنا لسنا ضد استقدام الخبرات الأجنبية، فأي دولة مهما كانت قدراتها البشرية لن تستطيع الاستغناء عن استجلاب بعض المُختصين للعمل فيها، وخاصة في المجالات التي تحتاج خبرات طويلة، لكن يجب أن يكون ذلك على سبيل الاستثناء فتوظيف المواطن هو الأصل والركيزة الأساسية في سياسات التشغيل، والبعض يخشى أن يؤثر الاستغناء عن الأجانب على النشاط العقاري في السلطنة؛ حيث سيقل عدد المستأجرين، في هذه الحالة نحن بحاجة الى إعادة توجيه بوصلة الاستثمار إلى القطاعات الإنتاجية كالصناعة والزراعة والسياحة مثلًا.

وإذا كانت أمريكا في عهد الرئيس السابق دونالد ترامب حاربت الهجرة إليها بدعوى حماية العمال الأمريكيين، وهي دولة هجرة بامتياز، والدولة الأولى اقتصاديًا، فكيف بنا نحن في سلطنة عُمان كدولة نامية؟ يفترض بنا أن نمكِّن المواطن في وطنه ونحميه من المنافسة الشرسة للوبيات الأجنبية، فغير مقبول أن يبقى المواطن في منزله وعالة على أهله، بينما يتم توظيف الأجانب، كما إنه غير مستساغ أن يتم تسريح المواطن من عمله دون وجود بدائل.

يجب عدم الاستهانة بمشكلة الباحثين عن عمل، فالوضع يمثل تحديًا كبيرًا بالنسبة للشباب؛ حيث يعيشون مرحلة حرجة وقاسية، وأصبحوا يبحثون عن العمل ليس لبناء مستقبلهم؛ بل لتوفير الحد الأدنى من احتياجاتهم. لذلك على الحكومة اتخاذ إجراءات جريئة وغير اعتيادية لإنعاش الاقتصاد العماني، ولإتاحة فرص التشغيل أمام شباب الوطن. وعلى المجتمع أن يتعاون في ذلك ويتواكب مع الحكومة في عملية الإصلاح الاقتصادي.