هل طويت صفحة وفتحت أخرى؟!

 

 

منى بنت حمد البلوشية

 

كل يوم ونحن نطوي صفحة من صفحات حياتنا ولا نعود إليها، إلا برغبتنا إن أردنا ذلك على الرغم من أنه علينا ألا نعود إليها إلا إذا كانت تعني لنا شيئاً جميلاً، أما إن كانت غير ذلك فلابد لنا ألا نرجع إليها لسوء ما قد يعترينا من أحزان ومتاعب واستنزاف لطاقاتنا اليومية.

صفحات اليوم كثيرة كصفحات الكتاب الذي نقرأه ونفتحه بين أيدينا ونحن نغوص في مكنوناته وعالمه اللامتناهي، فبعص صفحاته نقلبها إن لم نستسغ ما بها من كلمات قد لا تناسب أمزجتنا في ذلك الحين..هكذا هي الحياة فبها من الصفحات والتجارب الكثيرة التي تعلمنا منها الكثير وخضناها، ولو كان بوسعنا لأطلنا الوقوف والمكوث بها، وبعضها الآخر لو كان علينا تركها منذ تلك اللحظة التي توقفنا عليها لفعلنا، لولا أن الله أراد بها عندما أبعدنا عنها وكنَّا نظن بها خيرا (وَعَسَى أَن تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ وَعَسَى أَن تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَّكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ) فوحده عزَّ وجلَّ يعلم ما الذي يصلح لنا ولو كنَّا في أوجّ حاجتنا لها فلو اطلعنا على الغيب لاخترنا ما اختاره لنا الله  (وَلَوْ كُنتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لَاسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ وَمَا مَسَّنِيَ السُّوءُ...)  .

فها نحن ودعنا عاماً ميلادياً كانت به الكثير من الأحداث التي رافقتنا وأيقظتنا، وتلك الفواجع التي ألمّت بنا وأصبحنا في دوامة الأحزان والأمراض التي تكابلت علينا كالسيل الجارف،  وما بين الرحيل والفراق حتى كدنا نخرج من أخرى وندخل في  غيرها ويكسونا الفرح تارة ليُنسينا كل ما ذهب وربما بتنا نسرق لحظات السعادة وننتهز الفرص التي تأتينا ونتمسك بها، فهذه هي سنة الحياة تتوالى الأحداث ونأخذ منها العِبر والمواعظ وتنضجنا رغم أن النضج لا يأتي إلا بعد أن نذوق مرارة الأحداث.

ودعنا عاماً ميلادياً فمن خلاله توّجنا أنفسنا على ما أنجزته وتابعنا من خلاله إنجازاتنا التي أنجزناها وما لم ننجزها بعد فما زالت بين أيدينا ربما تنتظر أن تستكمل فكرتها لتنضج أكثر ولتصبح أكثر عمقًا أو ربما تحتاج لتغيير في خطتها، فالإنجازات مستمرة ما دامت حياتنا مستمرة، ولنخرج ما في ذواتنا من شغف في أرواحنا التي لم تخرج بعد لنتوجها بالجميل، ولتكن لدينا الإرادة والعزيمة النابعة من أعماق نفوسنا وننتهز الفرص المتاحة لنا وألا نفرط بها فلربما هي الأقرب لنا لتحقيق النجاح الذي يوصلنا لقمة الجبل.

فكل عام يمر علينا ونحن نكبر وتكبر معنا طموحاتنا وتتجدد، والأحلام تبقى أحلاما حتى نستيقظ في الصباح الباكر لنجري خلفها ونغرد لها طربا وحبا كالعصافير المحلقة قبل شروق الشمس لنراها واقعا أمام أعيننا، فرغم كل التحديات والصعاب التي واجهتنا وستواجهنا علينا أن نصبح أقوى لمواجهتها وتحمل المشاق فهي تستحق أن نجتهد من أجلها لأنها سترسم لنا مستقبلا وواقعا مزهراً كحديقة غناء مليئة بالزهور رغم ما يحيط بها من أشواك إلا أنها ستؤتي أكلها بعد حين.

طوينا صفحة من صفحاتنا وودعنا أيادي لم  تتمسك بنا وتركتنا في منتصف الطريق رغم أننا كنا لها اليد الوفيّة والمخلصة، ودعناها بعد أن اختارت هي الرحيل إلا أنها لم تعلم أن قدرها أن تواجه العالم بيدها بعيدًا عن اليد التي أوصلتها لما وصلت له، وأنها ستحتاج يوماً لأن تعود للعصا التي ألقت بها بعيدا عندما أبصرت ناكرة معروفاً صنعته لها.

كل لحظات الانكسار التي مرت بنا ما هي إلا محطات عابرة تعلمنا ما لم نكن نعلمه، ولحظات السعادة التي عوضتنا ما فقدناه هي التي علينا أن نقتنصها ونتمسك بها ونتمسك بأحبتنا المحيطين بنا الذين رافقونا في أوج اللحظات التي كدنا أن نصل بها لمرحلة الانهيار لولا وجودهم بالقرب منِّا، فكل الامتنان والشكر لمن دخلوا حياتنا وملؤوها حبا وشغفا لمواصلة طريقنا لنبدع ونخرج ما في مكنوناتنا التي خبأناها، أحبتي لو جمعتكم في بستان ستزهرون لي حديقة غنّاء مليئة بشتى أصناف الزهور وكل جميل حلو المذاق. فهنيئا لمن هم ما زالوا في بستان حياتي وشكرا لمن قطف ثماره بيده قبل أن تنضج ورحل.

ولنعلم أن الأعوام متجددة فلتكن أرواحنا متجددة وطموحاتنا كذلك، وأن نتعلم من كل عام رحل وما هي إخفاقاتنا وكيف نستطيع من خلالها أن نتجاوز كل ما سبّب لنا ذلك، فنحن في تغير وتطور دائم. فقط علينا أن نعي ما بداخلنا، وكيف نوَجهها لوجهتها الصحيحة.. إنجازاتنا كثيرة ونطمح للكثير لأن أرواحنا اعتادت على ذلك وأنها لا تستسلم لواقع لا تنتمي له بل تصنعه بثقة وبكل توكل على الله وحسن ظن به بأنَّه القادر على أن يوصلنا لبر الأمان ما دمنا مُتمسكين بحبله المتين. دمتم أحبتي في تطور دائم مُحققين جميعًا ما تسمون ونسمو به معاً وطموحاتنا تحلق عاليا بأجنحة مرفرفة كالطير لا تخشى السقوط.

تعليق عبر الفيس بوك